+ A
A -


من التصرفات التي تُثير الدهشة، والغضب، والاشمئزاز مُجتمعيًّا، فرط رغبة البعض في الوقوف عند كل تصرف وقول يصدر من الآخرين، وتفسيره على المزاج، وما يساوي فهمهم وتصوّرهم، دون مراعاة أو فهم للغة المتحدث أو ظروفه، واستباق الظن وإلقاء الأحكام، والتدخل في نياتهم وتفسيرها كما يحلو لهم غالبًا، حتى وإن لم تكن لهم صلة أو معرفة بالقائل أو الفاعل.
فقد يقول أحدهم قولًا ينوي به خيرًا، أو إصلاحًا أو نقدًا، فيأتي أحد المستمعين فيفسرُ حديثه بتفسيراتٍ يَعجزُ العقلاء عن استيعاب مصدرها، فقائل القول، لم يتحدّث صراحةً ولم يقل شيئًا يُفيد أو يصرّح بما توصّل إليه المستمع. وقد يُغتاب المسكين ويُقذف ويُشتم، بناءً على تلك التفسيرات دون علمه.
كما يسمحون لأنفسهم بالتعليق، والحكم، والظن، والتفسير لأي تصرفٍ أو فعلٍ وكأنهم شهداء على فاعله، ويُشغلون أنفسهم بتحليلات إن كُتِبَت ستصل إلى مجلدات، وسيصبح (الضحيّة) مادة دسمة للقيل والقال، فيتمنى الفاعل حينها، لو أن التاريخ يعود به، فيكتب تعليقًا موضّحًا ومؤكدًا قصده ونيته؛ لعله يرتاح، ومن يرتاح في عالمٍ أفواههم هي العقول المفكّرة؟
وهذا الأمر ليس مقتصرًا على المشاهير ممن يتعرضون لهذا الأمر بشكل يومي على البرامج والإذاعات، بل يحدث بين أفراد العائلة الواحدة، وبين الأصدقاء، وزملاء العمل، مما يُسبب الكثير من الضجيج، والخلافات والقطيعة.
وللموضوع أبعاد سلبية لأكثر من طرف، الأول وهو الضحية، الذي صار فعله وقوله مَوضِع تفسير سلبي أو غير محمود من قبل الآخرين، وقد يُرمى بالأذيّة خاصة لو فُسّر ما نوى به خيرًا إلى شرٍ مطلق. وقد يصبح منطويًا، وخجولًا يتجنب الناس خوفًا من عقد التفسير والتحليل.
الطرف الثاني: المُفسّر، الذي تكفّل عناء التفسير والتبرير والتوضيح لشيء لا يعلم حقيقته إلا صاحبه (الضحية)، والأمر لا يُحزَن عليه لأنه أساء الظن وحسب، بل ما تَرَتَب عليه من تشويه صورة الآخر، وبناء أضغان وأحقاد وقلاقل وبلابل بين مجموعة من الأفراد.
والسؤال الصريح هنا: «ما شَأنك؟! من كلّفكَ وأمركَ بالتقصي والبحث والنبش والتفسير والتبرير لأقوال وأفعال ونيات الآخرين؟!» بل «من أنتَ حتى تجعل من نفسك كفيلًا على من حولك، تدخل في نياتهم وتتعقب أفعالهم وتفسرها بما يحلو لك؟!». فبالنسبة للعاقل، هي ضرب من السفاهة والجهل وقلة الشغل.
بالله، متى سنثمّن مراقبة أنفسنا؟ ونترفّع عن السطيحة و«اللقافة»، وقد صدق من قال: «سوء الظن هو الفعل الوحيد الذي إن أخطأت فيه أثمت عليه».
بقلم : زهرة بنت سعيد القايدي
copy short url   نسخ
28/01/2017
4271