+ A
A -
كان الكاتب الكبير عباس محمود العقاد صاحب كتاب «عبقرية محمد» وسلسلة العبقريات الشهيرة حريصا على متابعة كل كتاب علمي جديد عن الطيور، أو الحيوانات، أو الحشرات، ويقول إن من يفهم طبائع هذه الكائنات يمكنه أن يحسن فهم طبائع البشر، وفي رأيه أن هذه الكائنات هي «مسودات» أولية للإنسان (!).
وفي قصة النبي سليمان كما جاءت في القرآن أن الله سبحانه وتعالى علمه «منطق الطير» وعلمه أيضا «لغة الحشرات» وعندما كان سائرا بجنوده سمع نملة تقول: «يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون..» (سورة النمل: الآيتان 17 و18) وسبحان الله يخلق ما يشاء.
وعلماء الحشرات يذكرون أن النحل له لغة ولاحظوا أن النحلة تخرج من الخلية في رحلة استكشاف فإذا وجدت حقلا للزهور، فإنها تتحرك في الهواء بجناحيها وكأنها ترقص وبذلك تبلغ بقية سكان الخلية فيطيرون إلى حيث وصلت، وفي القرآن أن الله أوحى إلى النحل أن تتخذ من الجبال بيوتاً، وللعلماء دراسات كثيرة عن كيفية التفاهم في عالم الحيوانات والطيور والحشرات. ويشير الدكتور عبدالمحسن صالح إلى أن حيوانات الغابة تمثل مجتمعاً عجيباً ويقول ان حيوان «وحيد القرن» أو الخرتيت ينام في الغابات الاستوائية الافريقية مطمئنا إلى انه إذا كانت حياته في خطر في أي لحظة فسوف توقظه صرخة طائر يسمونه «نقار الخرتيت» فتكون هذه الصرخة صفارة انذار تدعوه إلى الهروب لينجو بنفسه، وفي مقابل هذه الخدمة فإن هذا الطائر يستفيد بصداقة هذا الحيوان الشرس الضخم الجثة، فإنه يتجول على ظهر الخرتيت ويلتقط طعامه من الحشرات التي تعيش على جلد هذا الحيوان وتتكاثر بسرعة، وهكذا يكون التعاون بينهما أن يعمل على نظافة الخرتيت ويحصل على طعامه دون عناء، وبذلك يفيد ويستفيد.
والأفيال في الغابة لاحظ العلماء أن لديها أجهزة تحذير هي الأخرى تتمثل في نوع آخر من الطيور، وكذلك لاحظوا أن على ظهر كل حيوان من فصيلة الجاموس الوحشي طائر يتجه برأسه عكس اتجاه الجاموس ليتمكن من رؤية الخطر إذا رأى حيواناً مفترساً قادماً من خلف هذا الحيوان، وفي هذه الحالة يطلق صيحة تحذير فيجري الحيوان أو يستعد للاشتباك بحسب الأحوال، ونفس الشيء وجدوه على ظهر الغزال الوحشي. وهكذا تتعاون الحيوانات والطيور في حياة الغابة المليئة بالمفاجآت والأخطار، وتكون للطيور الصغيرة الضعيفة الفضل في حماية الوحوش الكبيرة، وهكذا شاءت إرادة الله أن تتكامل وتتعاون مخلوقات الغابة وتتبادل المنافع.
من ذلك أيضا ما سجله العلماء عن التمساح، فإنه يستلقى على شاطئ النهر وهو فاتح فمه الواسع ليسمح لطائر صغير بأن يدخل في فمه ليأكل ما علق بأسنانه من بقايا الطعام، ثم يخرج من فم التمساح بأمان، فكأنه يقوم بدور فرشة الإنسان الحية على حد تعبير الدكتور عبدالمحسن صالح. ومن ملاحظات العلماء أيضا على شواطئ البحار وبين الشعب المرجانية يظهر سرطان البحر(الكابوريا) في صدفة كبيرة حلزونية فوقها حيوان هلامي يسمونه «شقائق النعمان» وبينهما دودة، ووجدوا أن الصدفة هي الدرع التي تحمى سرطان البحر من الكائنات البحرية المفترسة، وحين يجد طعاما ينال شقائق النعمان بقاياه، وتحصل الدودة على نصيبها مقابل قيامها بتنظيفه من بقايا الطعام، وفي نفس الوقت يقوم شقائق النعمان بمهمة دفاعية بما لديه من أسلحة دقيقة كإبر وفيها مادة سامة أو مهيجة تغرسها في أي كائن.
هذه بعض نماذج مما سجله العلماء، وكلها تشير إلى بديع صنع الله الذي ألهم الكائنات جميعها السبيل للحصول على رزقها وتأمين حياتها بوسائل تناسبها وسبحان الله أحسن الخالقين.

بقلم : رجب البنا
copy short url   نسخ
28/01/2017
9513