+ A
A -
مع تأكيدنا على أن القاعدة الأولى في العلاقات الثنائية بين الدول يجب أن ترتكز في المقام الأول على المصالح المشتركة، ومع علمنا أن من حق الدول أن تتصرف باستقلالية في ما خص سياساتها الخارجية، فإن هناك من الأمثلة ما يحار المرء في تفسيره. سبق أن أشرنا في الأسبوع الماضي إلى التعقيدات التي تكتنف مشكلة «ناغورني قرة باغ» ومواقف الدول ذات الصلة (إيران وتركيا وروسيا) منها. وبعض هذه المواقف، لا يحتاج المراقب فيها إلى كبير عناء ليكتشف أنها خارج مقتضيات المنطق.

بالمثل يحار المراقب في تفسير المواقف الباكستانية من النظام الإيراني الحالي. ذلك أن القاعدة الأزلية في السياسات الباكستانية الخارجية تقوم على مبدأ «عدو عدوي صديقي»، غير أن طهران ليست عدوة للهند التي هي العدوة التاريخية لباكستان منذ تقسيم شبه القارة الهندية كي تـُتخذ كصديقة وحليفة. بل العكس هو الصحيح! فبين نيودلهي وطهران علاقات سياسية وتجارية واقتصادية ونفطية وطيدة لاحاجة لنا للخوض في تفاصيلها.

وإذا كان المقصود بالعدو هو الإرهاب، فإن طهران ليست عدوته وإنما هي وجهه الأقبح في المنطقة بأسرها، شاملة أفغانستان التي يعتبرها الباكستانيون منطقة نفوذ استراتيجي لهم وحدهم، حيث يقوم النظام الإيراني بدعم فصائل شيعية موالية لها لمنع الاستقرار والسلام في هذا البلد. هذا ناهيك عن أن طهران هي المسؤولة عن العديد من الحوادث الإرهابية، ليس فقط في السعودية التي يقول الباكستانيون إنهم يفتدونها بالأرواح والمهج بسبب مكانتها الدينية، وإنما أيضا في منطقة الحدود الباكستانية- الإيرانية المشتركة في بلوشستان.

ومن هنا فإن المراقبين الذين توقفوا عند المناورات المشتركة التي نفذتها البحرية الإيرانية مع البحرية الباكستانية الأسبوع الماضي في مياه مضيق هرمز الاستراتيجي، جنوب ميناء بندر عباس، حق لهم أن يتساءلوا عن المصلحة الباكستانية المتأتية من وراء تلك المناورات، وحق لهم أن يتساءلوا أيضا عن أسباب الحدث وتوقيته في هذا الظرف الحساس، خصوصا وأن إيران استعرضت عضلاتها أمام الباكستانيين قائلة على لسان قائد بحريتها الأدميرال «حبيب الله سياري»: إن «بحرية الجيش الإيراني تتبوأ المكانة الأولى في المنطقة من حيث العتاد والعناصر المتخصصة والمدربة، وباتت تتمتع باكتفاء ذاتي كامل من ناحية العتاد العسكري والدفاعي»، مضيفا أن «صلابة الجيش الإيراني وقوته لا يمكن قياسهما بما كان قبل انتصار الثورة».

ومما يجدر بنا ذكره في هذا السياق هو أن إسلام آباد كانت من أوائل الدول التي رحبت بالانضمام إلى التحالف العربي/ الإسلامي المناهض للإرهاب فور الإعلان السعودي عنه، بل شارك رئيس حكومتها نواز شريف شخصيا في العرض العسكري لقوات «رعد الشمال» الذي أقيم في حفر الباطن في مارس المنصرم. إلى ذلك فإن باكستان كانت في عداد الدول التي صوتت في القمة الـ 13 لمنظمة التعاون الإسلامي في اسطنبول بإدانة إيران لدعمها الإرهاب وتدخلها في الشؤون الداخلية لدول المنطقة، وتجريم أدواتها ممثلة في «حزب الله» اللبناني. فكيف يستقيم هذا مع ذاك؟

المواقف الباكستانية المشار إليها جديرة بالثناء، وتجســّد الروابط التاريخية العميقة بين باكستان ودول مجلس التعاون، غير أن ما لا يمكن تفسيره هو أن تـُلحق إسلام آباد مواقفها الطيبة هذه بخطوة ذات حساسية بالغة هي إطلاق مناورات بحرية مع الدولة التي وافقت هي نفسها في قمة اسطنبول على وصمها بالإرهاب، وأدانتها بالتدخل في الشؤون الداخلية لدول الخليج وغيرها من الأقطار.

بقلم : د. عبدالله المدني

copy short url   نسخ
01/05/2016
1288