+ A
A -
ليس من الصعوبة بمكان على الرأي العام العربي أن يربط بين ما يرصده من تضاؤل لمظاهر القوة في الجسد العربي الواحدة تلو الأخرى، وبين ما يجرى في المشهد العام من الاستغراق في المكايدة السياسية والحملات الإعلامية المتبادلة.
لقد أصبح من المعتاد أن يستيقظ المهمومون بالشأن العربي كل يوم على صدمة هنا أو هناك، وعلى معارك كلامية حامية يتم فيها تبادل الاتهامات بالفشل. شيء من هذا القبيل لم يكن حاضرا قبل سنوات مضت حيث كانت هناك بقية مما يمكن تسميته بالمناعة العربية التي صنعها العمل العربي المشترك عقب الانتقال إلى مرحلة الاستقلال الوطني.
ولكن الانصراف تدريجيا عن العمل العربي المشترك، واستبداله بالعمل الأحادي الجانب جعل هذه المناعة تتآكل يوما بعد الآخر إلى حد فقدانها، وعليه لم يعد باستطاعة الجسد العربي ولا أعضائه منفردين أن يتصدى للأزمات ويتجاوزها حتى ولو بقليل من الخسائر مثلما كان يحدث في الماضي وقت أن كانت هذه المناعة موجودة.
مظاهر الهوان في المشهد العربي قائمة، على أكثر من صعيد. فمصير القضية الفلسطينية أصبح مجهولا في ضوء كل ما ارتكبته الحكومات الإسرائيلية من جرائم وبناء مستوطنات واستمرار للاحتلال، دون أن ينتقل الدور العربي من القول إلى الفعل. كما أن ما يجرى على صعيد الوحدة الجغرافية ينذر بالتفتيت أو تقسيم المقسم أصلا. وكما أن الوحدة الجغرافية ليست بعافية، لا يمكن الادعاء بأن الأمن القومي العربي بعافية أيضا، لا على المستوى الفردى أو الجماعي. تكفي الإشارة إلى العمليات الإرهابية التي تقع كل يوم تقريبا حتى أصبحت مواجهة الإرهاب هما عاما في المنطقة بأسرها. وفي نفس السياق أصبحت المنطقة مسرحا للتدخل الأجنبي، إما بفعل الاستدعاء العربي لهذا التدخل أحيانا، أو بفعل حدوث التدخل عنوة أحيانا أخرى. وفي الحالتين تفريط في السيادة واستقلال القرار.
وعلى صعيد أخر امتد العبث إلى الهوية العربية الإسلامية. فحتى وقت ليس بالبعيد كان القلق على الهوية منصبا على تحديات العولمة من جهة، وما كان يسمى بصراع الحضارات من جهة أخرى. ولكن لا دعوى العولمة ولا الزعم بصراع الحضارات هز هوية المنطقة العربية الإسلامية. إلا أن الخطر في الوقت المعاصر طرأ من الداخل هذه المرة وليس من الخارج، وذلك عندما احتدم الخلاف إلى حد الكراهية والعداوة بين أبناء المجتمع الواحد حول هوية المجتمع والدولة معا، وكأن لسان حالهم المعتاد يتساءل: عن أية هوية عربية وإسلامية نتحدث؟!
وجاء وقت كان فيه الاقتصاد أحد أهم عوامل تشكيل المناعة العربية في امتصاص الأزمات وتجاوزها. وتجسد ذلك في تحقيق معدلات نمو اقتصادي مطرد على صعيد كل قطر عربي والاهتمام بتفعيل خطوات التكامل الاقتصادي بين الأقطار العربية ككل. ولكن عجلة الزمن أعادت هذا وذاك إلى الوراء. وقد تفاقم الوضع بعد اندلاع ما أصبح يسمى بثورات الربيع العربي التي تسببت بطبيعتها في تآكل جانب كبير من الثروة العربية وأوقفت خطط التكامل الاقتصادي.
لم يكن متوقعا في ظل كل هذه التراجعات أن تتحصل الدول العربية مجتمعة ككتلة إقليمية على المكانة الدولية التي تعبر عن قدراتها الحقيقية الجماعية. فلا المظهر الجماعي العربي برهن على وجود قدرة على تجنب تدخل المجتمع الدولي، ولا على تولى زمام الحل في أي أزمة تخص المنطقة، ولا حتى على اتخاذ موقف موحد ومستقل في مواجهة المجتمع الدولي بعد أن وقع الفأس في الرأس.
قائمة التراجع في القدرات العربية تطول حتى أصبح مصير الدول الوطنية على المحك. وعملا بقاعدة التحدي والاستجابة، ليس هناك من طريق لتجاوز ما أفرزه زمن التشتت من وهن إلا بالعودة إلى العمل العربي المشترك بصدق وإخلاص، إنقاذا لقدرات الدولة الوطنية في المقام الأول وبالتبعية إنقاذ للدول العربية مجتمعة.

بقلم : عبدالعاطي محمد
copy short url   نسخ
28/01/2017
4227