+ A
A -
يعتقد المراقبون أن الهدنة التي أعلن عنها مؤخرا بين القوات الآذرية والانفصاليين الأرمن، لن تصمد طويلا، بمعنى أن الاشتباكات ستعود ولن ينفع معها الوساطات كوساطة «مجموعة مينسك» الغربية.

أحد أسباب هذا التشاؤم هو أن هدنة سابقة وقعت في 1994 لم تصمد وجرى خرقها مرارا وتكرارا. ثم أن الاتصالات وتبادل الزيارات بين القيادتين الآذرية والأرمينية التي جرت ما بين عامي 2006 و2009 تجمدت. كما وأن نجاح الروس في استعادة شبه جزيرة القرم ربما يغري الآذاريين بتكرار التجربة.

والمعروف أن أساس المشكلة بين الطرفين المتحاربين هو تنازع السيادة على إقليم «ناغورني قره باغ» ذو الأغلبية الأرمنية.

وتجسد هذه المشكلة نموذجا لما تخلقه التباينات العرقية والدينية من كراهية. ويكفي المرء، أن يتمعن في اسم الإقليم المكون من ثلاث كلمات أولاها «ناغورني» وهي كلمة تعني المرتفعات بالروسية، وثانيتها «قرة» التي تعني المُظلم بالتركية، وثالثها «باغ» التي تعني الحديقة بالفارسية، ليعرف مدى المشاكل المعقدة التي يعيش الإقليم أسيرا لها، وتنذر بانفجار صراعات كبيرة. أضف إلى ذلك الخلفيات التاريخية للصراع، والتي نجد تجلياتها في خضوع المسيحيين الأرمن والأتراك الآذريين لعدد من الامبراطوريات القديمة في المنطقة، من تلك التي هجرت وذكت الأحقاد على نحو ما فعله السوفيات.

من أسباب التشاؤم الأخرى لجهة احتمال انفجار الوضع في الإقليم بصورة غير مسبوقة، تدخلات الأطراف الإقليمية تحت مبررات مختلفة، بل مخالفة للمنطق أحيانا. فعلى سبيل المثال فإن النظام الإيراني، الذي يسوق نفسه منذ 1979 كثورة حامية للشيعة والمظلومين والمستضعفين، منحاز إلى أرمينيا المسيحية ضد آذربيجان الشيعية. ليس هذا فحسب وإنما يقدم الدعمين المادي والعسكري لأرمينيا ويرسل لها خبراء من الحرس الثوري، كما تقول حكومة باكو. أما التبرير فهو «حماية الأمن القومي الإيراني». وبعبارة أخرى فليـُقتل الشيعة الآذاريون وليذهبوا إلى الجحيم طالما أن في ذلك حماية للمصلحة القومية الإيرانية. وقد وجد المدعو حسن نصرالله زعيم ما يسمى بـ «حزب الله» الإرهابي في هذا الموقف الإيراني فرصة ليقول «أن ذهابه إلى سوريا والعراق جاء بمعيار خارج القيد المذهبي وببعد سياسي محض» على نحو ما فصله مصطفى فحص في الشرق الأوسط (13/4/2016). فهل يذهب الحزب الإرهابي، وفق هذا الزعم، إلى القتال في أرمينيا في مواجهة أذربيجان إذا لزم الأمر؟ تساءل أحد الكتاب اللبنانيين.

وعلى حين تتدخل طهران في الصراع وتذكيه، فإن أنقرة السنية الإخوانية بقيادة أردوغان تقوم من جانبها بدعم آذربيجان الشيعية لأسباب إثنية وثقافية، وأخرى ذات علاقة بمصادر الطاقة ونقلها، أو ذات علاقة بالصراع الإقليمي على النفوذ مع كل من طهران وموسكو، خصوصا وأن أي انتصار لباكو يصب في مصلحة أنقرة لجهة توطيد نفوذها ومصالحها في جمهوريات آسيا الوسطى الناطقة بالتركية.

وإذا كان الموقف الإيراني مخالف للمنطق، فإن الموقف الروسي ينطبق عليه الشيء نفسه. يقول الكاتب العراقي المتخصص في شؤون آسيا الوسطى باسل الحاج حسن ما معناه أن روسيا بحاجة إلى أرمينيا كحليفة، في ظل تسابق بعض دول الاتحاد السوفياتي السابق للارتباط بواشنطون والغرب، خصوصا وأن أرمينيا هي الدولة الوحيدة في المنطقة التي تستضيف قاعدة عسكرية روسية. ومن جهة أخرى فإن روسيا بحاجة أيضا إلى آذربيجان بسبب موقعها الاستراتيجي على خطوط إمدادات النفط وكونها جسرا نحو بلدان آسيا الوسطى التي تتصارع القوى الكبرى عليها.



بقلم : د. عبدالله المدني

copy short url   نسخ
24/04/2016
1512