+ A
A -
عدد ليس بقليل من كبار خبراء السياسة الخارجية في أميركا، ومنهم هنرى كيسنجر على سبيل المثال – لم يتوقفوا عن تذكير مؤسسات صناعة القرار السياسي في بلادهم، بأن العالم الذي تغير من حولهم، لم يعد يتقبل نفس السياسة الخارجية التي لا تزال تتمسك بنفس القواعد التي كانت تعبر عن نظام عالمي لم يعد موجودا الآن.
المشكلة لها شقان الأول عدم تقبل قطاع كبير من النخبة فكرة تخلى أميركا عن وضعها بوصفها القوة المهيمنة، والتي تتربع على مركز قيادة العالم، والثاني أن الأميركيين أنفسهم وبشكل عام لا يتصورون أن تكون أميركا دولة متساوية وغيرها في إدارة النظام الدولي.
وفي خضم هذا الجدل اهتم المجتمع السياسي الأميركي بمؤلف للكاتب البارز إدوارد جولدبرج، تناول فيه جوانب أساسية من هذه القضية، حيث أفردت له الصحف والمواقع الإعلامية، مساحات لمناقشته، الكتاب الذي صدر هذا العام 2016، عنوانه «لماذا تحتاج أميركا سياسة خارجية جديدة».
جولدبرج يطرح عددا من النقاط التي تتعلق بتحولات النظام العالمي، والتي لا تتواءم معها المناهج الحالية لسياسة أميركا الخارجية. ثم يتحدث عما يمكن في الرئيس الجديد ترامب أن يتصرف مع هذه القضايا.
يقول جولدبرج في كتابه: إن سياسة أميركا الخارجية تركز بصورة كبيرة على عالم لم يعد له وجود.. عالم كانت فيه القوة السياسية تقاس بالقدرات العسكرية، أو الأيديولوجية المتشددة. وأن مصير أميركا الآن أصبح متداخلا مع شركاء آخرين في العالم، منها التداخل في المصالح الاقتصادية. بالإضافة إلى ما هو مطلوب من سياسات للتعامل مع دول مثل روسيا، ودول أخرى عديدة في الشرق الأوسط، والأكثر أهمية هو كيف يمكن لأميركا أن تكون الأولى، لكن ضمن مجموعة دول متساوية في عالم تداخلت فيه المصالح المشتركة والتبادلية.
يقول جولدبرج: إن هذا التداخل يجعل سياسة أميركا الخارجية الراهنة، بعيدة من الواقع الدولي الحالي.
وفي عالم اليوم – المتغير – صار مصطلح الحليف غير ذى موضوع – فالمملكة المتحدة حليف قديم لأميركا. لكن الصين صارت أكثر أهمية للولايات المتحدة، نتيجة للاعتماد المتبادل بين الدول وبعضها.
وبدلا من تركيز الاهتمام على مفهوم الحلفاء بشكله التقليدي، يلزم، أن تتجه السياسة الخارجية إلى الارتباط بهذا العالم المتغير باتفاقيات مشتركة، تناسب القرن الواحد والعشرين.
وبناء على التحولات العالمية، فإن مصطلح «أميركا دولة لا غنى عنها»، الذي صاغته مادلين أولبرايت وهي وزيرة للخارجية قبل 18 عاما، لم يعد يستقيم مع الوضع الدولي الحقيقي، وبدلا من هذا المصطلح عليها أن تعتبر نفسها شريكا لا غنى عنه مع آخرين.
ويرصد جولدبرج الأحداث التي نتجت عنها هذه التحولات في النظام العالمي، وهما: سقوط حائط برلين، وصعود الصين كقوة كبرى، وإنشاء تجمع البريكس الاقتصادي، والتطور التكنولوجي المتسارع، وأحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، والحرب في العراق، وأفغانستان، وسوريا، وتصاعد الإرهاب، والأزمة المالية عام 2008، والربيع العربي، وأزمة منطقة اليورو، وبروز آسيا بصحوتها القومية، والعولمة التي جعلت أميركا أقل استقلال عن ذى قبل.
وبناء على كل هذه الأحداث وما يتبعها من تداعيات، يطرح المؤلف مجموعة من التساؤلات منها: هل يتغير نمط الاقتصاد السياسي في العالم بتولي دونالد ترامب الرئاسة؟. وهل تكون هناك حرب تجارية بين أميركا والصين، أم أن تلك مجرد تخمينات؟. وكيف ستتغير علاقة أميركا مع الاتحاد الأوروبي، شريكها التجاري الرئيسي؟. وهل أميركا مازالت مهيأة لكي تضع قواعد لعبة الهيمنة بشكل مباشر أو غير مباشر؟. وهل الشعب الأميركي الذي اعتاد أن يعيش مع مفهوم يقول بأن أميركا هي القوة الوحيدة المؤهلة لقيادة العالم، مستعد الآن لتقبل، متطلبات حالة التداخل في العلاقات الدولية، والتي تجعل أميركا محتاجة للآخرين، مثلما هم محتاجون لها؟.
ثم يقول: أن البيئة الجيوسياسية في العالم، والتي تجتاحها الفوضى، والسيولة، لم تعد تتطلع لدور تلعبه دولة واحدة في قيادة العالم.
إن التركيز من الإعلام والمنتديات السياسية على كتاب جولدبرج راجع إلى كونه واحد من أهم الخبراء في العلاقة بين العولمة السياسية، والعولمة الاقتصادية. فهو أستاذ للاقتصاد السياسي بجامعة نيويورك، وأستاذ زائر بجامعة كاليفورنيا. وأمضى شطرا كبيرا من حياته، في إلقاء المحاضرات بعدد من الجامعات في دول العالم.
ولهذا لقي كتابه الأخير الاهتمام في هذا الوقت بالذات الذي شغل فيه الكثيرون في أميركا، بمدى احتياج أميركا لسياسة خارجية جديدة ومختلفة، وهو ما لفت انتباههم إلى عنوانه «لماذا تحتاج أميركا سياسة خارجية جديدة».

بقلم : عاطف الغمري
copy short url   نسخ
27/01/2017
4379