+ A
A -
- لكنه الشرف ياحليمة!
هذا الاستدراك، فيه ما فيه من الاعتذار: الاعتذار ليس من فعل مضى، وإنما هو من فعل سيمضي، بقوة عرف، وعادات، وتقاليد القبيلة!
غسلُ الشرف، عرف.. عادة، تقليد شائع في أفغانستان، تماما مثل مصارعة الديوك.. مثل مصارعة الكلاب، مثل إخفاء النساء وراء الشادور، مثل ثرثرة الرصاص،
مثل بناء التحالفات الهشة، مثل قمر كابول الذي يبتسم كل أول شهر، مثل احتشاد الرجال- كما هم الآن- ليروا كيف ان أبا غيورا على شرف عائلته، يغسل بالدم
شرفا وسخته ابنة متزوجة، تفر ليومين، مع غريب!
يومين، وقرية كوكشاهل الجبلية، القريبة من الحدود مع تركمانستان، تلوك سيرة المرأة التي اختفت مع غريب، وزوجها- الذي آخر من يعلم- في إيران.
يومان، والقرية تلوك هذه السيرة بلسانها الطويل. تلوكها، وللعيون كلام.. وكذا للإشارات باليدين، وهزة الرأس، وضرب الكف للكف، نوع من الحديث الذي لا يحتاج لفهلوة ترجمان!
يومان، والأب في اتجاه، وابنه في اتجاه، والام في اتجاه، وبعض الأقارب في اتجاه، وكل الاتجاهات أسئلة، وتلفت، وأوصاف لاثنين، وكوكشاهل يحدها من ها هنا جبل، ومن هنا جبل، ومن هناك جبل، ومن هنالك الحدود، فأين المفر يا حليمة.. أين المفر والقرية كلها تلوك السيرة، والأب لا يستطيع أن يرفع عينا، ولا الأخ يستطيع النظر، ولا الأم أصبح لها لسان مع الجارات طويلات الألسنة!
لا فرار، يا حليمة.. ولا مفر.
طأطات عينيها- حليمة- حين هجمت عليها عينان من جهنم. لم يقل أبوها شيئا. في مثل هذه المواقف التي تصير فيها العينان عينين من جهنم، تتكلم العينان- فقط- وتصمت تلك العضلة الملساء في الفم!
لا كلام.
لم تقل حليمة شيئا. ماذا يمكن أن تقول، والقرية كلها تتكلم، ولا من أحد فيها يمكن أن يرخي أذنيه.. ولا من أحد يسمع.. والحكم- كما تعرف هي جيدا في مثل الأحوال- يكون بالفعل قد صدر؟
لم يسألها أحد. ما اختلت بها أمها، ولا أي امرأة، ولم تخضع لفحص طبي، ولا يمكن لأي أحد أن يقسم يمينا أنه رأى المرواد في المكحلة، لكن برغم ذلك كله، كان الحكم قد صدر، وكان أمرا مقضيا أن ينصاع الأب، يمسك الكلاشنكوف، ليغسل شرف عائلته، والناس تتجمهر... تتفرج، تهلل.. شهود!
- لكنه الشرف يا حليمة!
جُملة، لا يمكن أن يقولها الأب- في مثل هذه المواقف- إلا في سره. لو قالها في العلن، فإنه سيصير مجرد رجل هزأة، بين رجال القبيلة المحتشدين الآن، ليشهدوا الغسيل بالدم!
أحيانا، عاطفة الأبوة، تطأطئ رأسها، ليرفع الأب رأسه، ويرفع عينيه.
وضع الإصبع على الزناد، وثبّت رجليه على الأرض.. وكانت كبده أمامه، على بعد صرخة رصاصة رصاصتين، ثلاث. كانت جاثية على الأرض، مجرد شادور.
هكذا رآها، هو.. وهي في ظلمة الشادور، لا تدري حقا ما إذا كانت هي هي، ابنة ذلك الذي سيرديها
عما قليل، أم هي ليست هي على الإطلاق؟
بقلم : هاشم كرار
هذا الاستدراك، فيه ما فيه من الاعتذار: الاعتذار ليس من فعل مضى، وإنما هو من فعل سيمضي، بقوة عرف، وعادات، وتقاليد القبيلة!
غسلُ الشرف، عرف.. عادة، تقليد شائع في أفغانستان، تماما مثل مصارعة الديوك.. مثل مصارعة الكلاب، مثل إخفاء النساء وراء الشادور، مثل ثرثرة الرصاص،
مثل بناء التحالفات الهشة، مثل قمر كابول الذي يبتسم كل أول شهر، مثل احتشاد الرجال- كما هم الآن- ليروا كيف ان أبا غيورا على شرف عائلته، يغسل بالدم
شرفا وسخته ابنة متزوجة، تفر ليومين، مع غريب!
يومين، وقرية كوكشاهل الجبلية، القريبة من الحدود مع تركمانستان، تلوك سيرة المرأة التي اختفت مع غريب، وزوجها- الذي آخر من يعلم- في إيران.
يومان، والقرية تلوك هذه السيرة بلسانها الطويل. تلوكها، وللعيون كلام.. وكذا للإشارات باليدين، وهزة الرأس، وضرب الكف للكف، نوع من الحديث الذي لا يحتاج لفهلوة ترجمان!
يومان، والأب في اتجاه، وابنه في اتجاه، والام في اتجاه، وبعض الأقارب في اتجاه، وكل الاتجاهات أسئلة، وتلفت، وأوصاف لاثنين، وكوكشاهل يحدها من ها هنا جبل، ومن هنا جبل، ومن هناك جبل، ومن هنالك الحدود، فأين المفر يا حليمة.. أين المفر والقرية كلها تلوك السيرة، والأب لا يستطيع أن يرفع عينا، ولا الأخ يستطيع النظر، ولا الأم أصبح لها لسان مع الجارات طويلات الألسنة!
لا فرار، يا حليمة.. ولا مفر.
طأطات عينيها- حليمة- حين هجمت عليها عينان من جهنم. لم يقل أبوها شيئا. في مثل هذه المواقف التي تصير فيها العينان عينين من جهنم، تتكلم العينان- فقط- وتصمت تلك العضلة الملساء في الفم!
لا كلام.
لم تقل حليمة شيئا. ماذا يمكن أن تقول، والقرية كلها تتكلم، ولا من أحد فيها يمكن أن يرخي أذنيه.. ولا من أحد يسمع.. والحكم- كما تعرف هي جيدا في مثل الأحوال- يكون بالفعل قد صدر؟
لم يسألها أحد. ما اختلت بها أمها، ولا أي امرأة، ولم تخضع لفحص طبي، ولا يمكن لأي أحد أن يقسم يمينا أنه رأى المرواد في المكحلة، لكن برغم ذلك كله، كان الحكم قد صدر، وكان أمرا مقضيا أن ينصاع الأب، يمسك الكلاشنكوف، ليغسل شرف عائلته، والناس تتجمهر... تتفرج، تهلل.. شهود!
- لكنه الشرف يا حليمة!
جُملة، لا يمكن أن يقولها الأب- في مثل هذه المواقف- إلا في سره. لو قالها في العلن، فإنه سيصير مجرد رجل هزأة، بين رجال القبيلة المحتشدين الآن، ليشهدوا الغسيل بالدم!
أحيانا، عاطفة الأبوة، تطأطئ رأسها، ليرفع الأب رأسه، ويرفع عينيه.
وضع الإصبع على الزناد، وثبّت رجليه على الأرض.. وكانت كبده أمامه، على بعد صرخة رصاصة رصاصتين، ثلاث. كانت جاثية على الأرض، مجرد شادور.
هكذا رآها، هو.. وهي في ظلمة الشادور، لا تدري حقا ما إذا كانت هي هي، ابنة ذلك الذي سيرديها
عما قليل، أم هي ليست هي على الإطلاق؟
بقلم : هاشم كرار