+ A
A -
معادلة الاستبداد والطغيان، بسيطة وواضحة، تتمثل في دمج الفرد في الزمن بحيث يصبح الزمن فردا، والفرد زمنا. الفرد أساسا لا يوضع في مقابلة مع الزمن، بل مع التاريخ أي الفعل في الزمن. الزمن يوضع في مقابلة مع الطبيعة. الأهرامات هي الزمن، الآثار الماثلة منذ قرون هي الزمن. إنه تاريخ الفترة الطويلة. فمن الخطأ لأمة أن تضع الفرد في مقابلة مع الزمن، وتنتظر منه العدل واستمرار الذكاء واليقظة وعدم الضعف. التاريخ الإنساني الفردي يسطر في سنين معدودة هي سنوات العطاء والقوة فقط، في حين يستمر الزمن سرمديا، فالتداول آلية ضمن الزمن وليس خارجه، إنها كتابة التاريخ القصير أو الصغير ضمن التاريخ الطويل تاريخ الزمن والطبيعة. أمة لا تفهم ذلك وتدمج بين الفرد الأداة والزمن السرمدي أمة لديها خلل في الرؤية وفي التفكير. أمة تنقصها دراسة التاريخ بشكل حيادي وموضوعي وليس فقط كتابته، تاريخنا لم يدرس بتفكيكية واضحة بالرغم من إسهامات ابن خلدون وغيره. هم نجحوا لأنهم درسوا التاريخ دراسة واعية، درسوه وفي ذهنهم أنه عامل تطور، درسوه من حيث ارتباطه بمفهوم آخر وهو التغير والتبدل المستمر، ووضعوا الفرد ضمن هذه المفاهيم وليس فوقها. أنا أعتقد أننا لم نستفد كأمة لا من التاريخ، ولا من عبره ولا حتى في المنظور الديني الإسلامي للتاريخ للسنن الكونية، المفهوم القرآني للتغيير أقرب بل هو في مركزية ثابتة لدى الفهم الغربي في دراسته للتاريخ، بل إن مدرسة الحوليات الشهيرة لبردويل وغيره ليست سوى فهم شبيه إلى حد بعيد لمفهوم أو لسنة التغيير والإبدال في القرآن. وربط كل عصر بشروطه وإمكاناته. حيث يتكلم عن الزمن السرمدي ويربطه بتداول الليل والنهار وبالشمس والقمر، ويتكلم عن أسباب زوال الحكم والمنعة والقوة ضمن عوامل تاريخية متغيرة كظهور الظلم وشيوع الفاحشة، وتفشي الطغيان والاستبداد. ويضع الإنسان ضمن هذا التاريخ ولا يدخله ضمن مفهوم الزمن أو التاريخ الطويل المعني بالطبيعة كما ذكرت، فأي تجن أكبر نفعله، حينما نقوم نحن كأمه في إبدال هذه السُنة الإلهية، وننتظر التقدم والنصر. إن إدخال الفرد ضمن الزمن من خلال تصور القائد الزمني أو القيادة الزمنية، في حين يذكر القرآن أنه الإنسان أتى عليه حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا.. أليس ذلك سوى إفساد للزمن، وإخلال بالتاريخ كذلك والنتيجة كما نرى لا يستقيم التاريخ، ولا يتسامح الزمن في ذلك. إن مشكلتنا حين نبسطها نربطها فقط بمفهوم حضاري موجز هو مفهوم غياب الديمقراطية والحقيقة إن مشكلتنا مع السنن الإلهية ومع قوانين الطبيعة والانثروبولوجيا وعلم الأنسجة كذلك الذي يحدد عمر الإنسان بيولوجيا كومضة خاطفة من عمر الزمان الممتد كليل ليس له آخر ولا يحده فضاء ولا تدرك نهايته أعين أو أبصار. إن ما نشهده اليوم من ثورات هنا وهناك هو نتاج طبيعي لإعادة انتظام الحياة ضمن السنن الكونية التي قامت عليها، فليس فقط الرهان على ضعف الشعوب يعد كافيا، ولا استعمال البطش كذلك يبدو وافيا لإدخال الفرد وفرضه زمنيا عندما تنتهي صلاحيته التاريخية الطبيعية أو الدستورية البشرية المنظمة للتاريخ. بل إن هناك نظاما كونيا إلهيا حين تعجز كل هذه العوامل البشرية من إعادة انتظام هذه المعادلة يتدخل بشكل أو بآخر لإعادة الاتزان وفصل التاريخ عن الزمن، أي فصل الإنسان عما لا يجب أن يتصف به وإعادة تموضعه داخل المفهوم التاريخي المناسب لجنسه وبشريته حيث هناك أزمان ليس لها تاريخ لا يعلمها إلا الله، فبالتالي ليس كل زمن تاريخ ولكن بالضرورة كل تاريخ هو زمن.

بقلم : عبدالعزيز الخاطر
copy short url   نسخ
25/01/2017
1674