+ A
A -
لم تكن العلاقة بين موسكو وطهران تمر في شهر عسل كما كان بعض العرب يعتقدون، فالبلدان اللذان يظهر عليهما الانسجام لا سيما منذ العام 2002 حيث ظهرت أولى المعلومات والصور حول الملف النووي الإيراني، لا تبدو علاقتهما بالشكل الذي يتم تقييمه. لقد أثبتت روسيا أن مصالحها مقدسة وغير قابلة للنقاش، وطبقت ذلك في العلاقة مع إيران حين مررت قرارات العقوبات 1737 و1747 و1805 ولم تمتنع عن التصويت حتى حين كان الامتناع يعني شيئا بالنسبة لإيران. تابعت روسيا مسار التفاوض الغربي مع إيران وبقيت في منطقة الحد الأدنى من الجهد.
حريصة كل الحرص على ألّا تخسر إيران كلياً أو تحولها إلى عدو، لكنها التزمت بقرارات العقوبات ولم تمنح إيران قواعد الصواريخ اس 300 إلا بعد بدء رفع العقوبات وبشكل بطيء.
تابعت روسيا الدور الإيراني في العراق لكنها لم تسع لأن تستفيد من إيران في تطوير علاقاتها مع الحكومة العراقية. بل عملت على مسار منفصل ساعدها فيه حجم الفساد وغياب الشفافية في العراق. نفس المشهد في أفغانستان حيث تحضر إيران وتحضر روسيا لكن دون تنسيق وربما في حد أدنى من الثقة والتواصل.
جاءت الثورة السورية لتفاجئ الطرفين وتربك مواقفهما مما يحدث. بالطبع وكما هو معروف بادرت إيران في التدخل عبر دعم النظام ماليا وعسكرياً ثم عبر حزب الله والميليشيات الشيعية متعددة الجنسيات، وأخيرا في التدخل العسكري المباشر، والذي لم يفلح في المحافظة على تماسك النظام، والذي كاد يسقط لولا تدخل روسيا، وفق وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف.
غضبت إيران من التنسيق الروسي- التركي، والذي أدى إلى اتفاق الهدنة في سوريا. لم يتوقف الغضب الإيراني هذا عند محاولة الرد على الأرض عبر إرسال قوات إلى مدينة حلب، في المقابل لم تقف روسيا صامتة بل أرسلت قوات شرطة عسكرية لها، وتابعت باتفاقية توسيع القاعدة العسكرية في طرطوس ولمدة 49 سنة. كل هذا يربك ما تسعى اليه إيران ويغير مسار تلك الخطط، لا سيما وان روسيا تبدو اهتماماتها في سوريا مختلفة تماماً عمّا تريده إيران.
الرد الإيراني على روسيا جاء في الاعتراض الشديد والمتكرر على حضور الولايات المتحدة الأميركية في مفاوضات أستانا. التصريحات الإيرانية المتكررة تعكس مخاوف من توافقات ثلاثية روسية- تركية- أميركية حول المشهد السياسي السوري، وشكله القادم. بالطبع يبدو التناغم بين الرؤساء دونالد ترامب وفلاديمير بوتين ورجب طيب أردوغان حاضراً في مشهد القلق الإيراني المنتقد لحضور واشنطن.
أثار الموقف الإيراني حفيظة روسيا، واعتبر موسكو ان الموقف الإيراني يعقد سبل العثور على حل، لكن موسكو تجنبت الإشارة إلى ان القلق الإيراني سيحول دون مشاركة الولايات المتحدة الأميركية. روسيا بوتين تنظر إلى علاقات جديدة مع أميركا ترامب، وبالتأكيد ستكون سوريا أحد اهم الملفات التي يمكن أن تؤثر على أجواء العلاقات الجديدة، لا سيما وان ترامب لا ينتقد بشدة التدخل الروسي في الأزمة السورية، وذلك بالشكل الذي ينتقد فيه التدخل الإيراني. الأمر المهم في هذا السياق هو أن روسيا قد لا تتدخل بشكل يمنع الرئيس الأميركي من المضي في إجراءات قد تعقد تنفيذ للاتفاق النووي ان لم يدفع إلى مراجعته أو مراجعة بعض بنوده على الأقل.
لم يكن هناك شهر عسل في العلاقات بين موسكو وطهران ولا يبدو أنه سيلوح في الأفق. مسارات البلدين السياسية مختلفة وربما سيعمق هذا الاختلاف تقاربا أميركيا روسيا ولو مرحلي. يضاف إلى ذلك أنه استناد طهران على بعض الدول الأوروبية وظهور اختلافات بين تلك الدول وبين إدارة ترامب قد لا يمنع من إرباكات تفرضها الإدارة الأميركية الجديدة في طريق تنفيذ الاتفاق النووي.

بقلم : محجوب الزويري
copy short url   نسخ
25/01/2017
4532