+ A
A -
مؤتمر الاستانة كرس اسميا لسوريا والمشاركون فيه يحملون بطاقة الهوية السورية لكن قراره ليس في سوريا ولا للسوريين. انعقد برعاية ثلاثية الرؤوس: موسكو وطهران وانقرة، في ظل مظلة حاك خيوطها قيصر الكرملين، بإصرار يسابق الوقت، قبل أن تدور عجلة الإدارة الأميركية الجديدة في واشنطن.
لم يكن من خيار امام جميع الأطراف سوى المشاركة في الأستانة، ولكل منه، أسبابه ومبرراته، فالحسم العسكري لاي من طرفي الصراع بات مستحيلا رغم ماحل بحلب، والازمة في سوريا صارت نفقا بلا ضوء في الافق. النظام يتآكل، وروسيا تخشى الغرق في المستنقع اذا طال الانتظار بلا حل سياسي، وإيران وتركيا انهكتهما التدخلات المباشرة في شؤون الاخرين وراحت تنعكس سلباً على أوضاعهما الداخلية والخارجية. أما المعارضة التي انهكها التشرذم والتطرف والوصاية الخارجية فلم يكن أمامها سوى الذهاب إلى المؤتمر راضية أو مرغمة، التزاماً منها بوصاية راعيها التركي.
كل من في الداخل سلم امره للراعي الخارجي. ولم يعد لديه من خيار سوى الحضور ضيفا على مائدة التفاوض برعاية اجنبية. النظام انصاع «سمعا وطاعة» للحليف الروسي بعدما ذكره لافروف بانه لولا تدخل روسيا لكانت دمشق سقطت في غضون اسبوعين. تصريح يحمل في طياته تنبيها قيصريا إلى الاسد وحلفائه بما تريده من مواقف في الاستانة وبعدها.
أما الطرف الأخر المعارض الذي كان يسمع في انقرة واسطنبول تصعيدا تركيا عالي النبرة ضد الاسد ونظامه «الملطخة يداه بالدماء»، وحض يوميا على اسقاطه حربا أو سلما، لا بد وانه تلقى بوجع مرير الرسالة الانقلابية التي اطلقها نائب رئيس الوزراء التركي محمد شمشيك في دافوس عندما قال بالفم الملآن بأن تصور سوريا من دون الاسد يعتبر أمرا غير واقعي! رسالة فحواها بأن على «اصدقاء تركيا» في المعارضة السورية ان يدركوا بأن شعار اسقاط الاسد صارفي خبر كان وليس عليهم سوى النسيان!
وبين روسيا وتركيا، فان الشريك الثالث إيران التي نشرت خلاياها السامة في الجسم السوري المريض جعلت أي حل من دون تثبيت حضورها وتكريس نفوذها شبه مستحيل، فهي في الاستانة وما بعد الاستانة، تدخل مفاوضات الحل السوري من زواياها الصعبة لما لها من خبرة وحنكة في التفاوض وفرتهما لها التجربة الطويلة من التفاوض على ملفها النووي. وتسعى كي لا تخرج خاسرة أي كان الثمن، واي كان الخراب الذي يحل بسوريا.
طبخة الحل الثلاثي التي وضعت على نار الاستانة، لايغيب عنها الطباخ الاميركي والطباخ العربي فقط، بل يغيب عنها السوريون انفسهم، وهم ان حضروا افرادا أو جماعات، فان قرارهم الذاتي مسلوب أو مجير لمصالح الطباخين الرعاة. ولان الحوار ليس سوريا خالصا فان الطريق الاقصر إلى سوريا الوطن الام الحاضن للجميع لاتزال طويلة. فما نتج عن حرب الست سنوات لم يبق للسوريين حقا في قول شيء ما. الآن صار القول والفعل لأطراف، تظهر كما لو أنها ضامنة للحوار، غير أنها في حقيقتها المسؤولة عن رسم خططه وتوجهاته ومسارات حركته.
سوريا لن تُحتضر أيا كان مصابها. لكن الامور انقلبت بطريقة لم يعد معها ممكنا التفريق بين ما هو نافع وما هو مضر، بين ما هو إيجابي وما هو سلبي، بين ما هو وطني وما هو معاد لبقاء سوريا وطنا للجميع.
بقلم:أمين قمورية
copy short url   نسخ
25/01/2017
4525