+ A
A -
منذ أن صار أوباما سيدا للبيت الأبيض قبل نحو 8 أعوام وهو لا يكف عن التهديد بالانصراف عن الشرق الأوسط وتحويل اهتمامه إلى آسيا. ومؤخرا قال ضمن افتراءاته التي وردت في ما أطلق عليه عقيدة أوباما بتفاصيلها المنشـــورة في مقال جيــفري غولدبيرغ في مجـلة «ذ اتلانتيك»: أنه لا جدوى من الشرق الوسط. نعم الشرق الأوسط الذي انطلق منه فخامته في بداية عهده كمدخل لتنفيذ شعاره آنذاك القائل «سياسة أميركية مختلفة»، وهذا الشرق الأوسط هو نفسه الذي اعتبرته كل الإدارات الأميركية المتعاقبة موضوعا حيويا للأمن القومي الأميركي، بل اعتبرته مكانا للولايات المتحدة فيه مصالح جيوسياسية قصوى إلى درجة أنها تدخلت فيه مرارا وتكرارا بالمؤامرات والاغتيالات والحروب بالوكالة واسقاط الحكومات وتنصيبها، ناهيك عن مطاردة وردع وتخويف كل القوى العالمية الأخرى التي أرادت أو حلمت بموطئ قدم فيه. وصدق راجح الخوري حينما كتب في صحيفة الشرق الأوسط مؤخرا: إن «أهمية الشرق الأوسط ليست صناعة أميركية، ربما كانت معظم مآسيه أميركية»، مضيفا ما معناه أنه إذا كان أوباما يعتقد أن لا جدوى من الشرق الأوسط، فحري بنا أن نقول له لا جدوى من السياسات الأميركية التي فشلت في فلسطين، ودمرت العراق، وتعاملت ببؤس مع الأزمتين السورية والليبية، وخدعت حلفاء واشنطون التقليديين في الخليج العربي بتعاونها السري مع طهران، وحاولت أخونة المنطقة العربية، وأججت ما سمى بالربيع العربي.

أراد أوباما في بداية ولايته أن يقنعنا بأنه سيعمل على إعادة توجيه سياسة بلاده الخارجية وتغيير بوصلتها عبر تخصيص منطقة آسيا/ الباسفيكي باهتمام أكبر وموارد أكثر، وذلك انطلاقا من مفهوم يقول إن القرن 21 هو قرن آسيوي بامتياز. وهكذا طرح ما سُمي بمبادرة «الاستدارة» نحو المحيط الهادي، أو بالأحرى أوكل إلى وزيرة خارجيته السابقة «هيلاري كلنتون» رسم ملامح هذه المبادرة والتعبير عنها. فكانت الأخيرة أول من استخدم مصطلح «الاستدارة» في مقال لها بمجلة «فورين أفيرز» في 2011.

وبطبيعة الحال لا أحد ينفي أهمية تلك المنطقة استراتيجيا، أو طموحات دولها الصاعدة اقتصاديا، بل لا يمكن تهميش مواردها الهائلة وقوتها العسكرية المتنامية وثقلها السكاني المتنوع، ونموها الاقتصادي الهائل، وأسواقها الواسعة. غير أن منطقة الشرق الأوسط سوف تظل لعقود طويلة قادمة ذات أهمية قصوى للعالم، شاء السيد أوباما أو لم يشأ، وسواء تحققت أحلام النفط الصخري البديل عن نفوطنا أو لم تتحقق. والدليل على صحة ما نقول هو ازدياد اهتمام الدول الآسيوية والباسيفيكية نفسها بقضايا الأمن والسلام والاستقرار والموارد في الشرق الأوسط.

ثم إن واشنطون بسيعها نحو انخراط أكبر في منطقة آسيا/الباسفيكي، قد تستجيب لمطالب بعض أنظمتها الحليفة لها منذ زمن الخوف من تمدد شيوعيي موسكو وبكين وتدخلاتهم، لكنها في المقابل ستثير بالتأكيد مخاوف دول أخرى كبيرة وذات حساسية مما تحمله الإدارات الأميركية من سياسات ومشاريع للهيمنة والتغيير بذرائع حقوق الإنسان والمساواة وحرية التعبير وغير ذلك.

والإشارة هنا ليست للصين وحدها التي لا زالت تـُحكم من قبل الحزب الشيوعي الأوحد وتنظر إلى الأميركيين كمنافسين متطفلين على منطقة لا شأن لهم بأمورها، وتنتقد باستمرار انتشار قواتهم في بحر الصين الجنوبي. ولا إلى كوريا الجنوبية التي يعتقد مواطنوها أن واشنطون قد تبيعهم إذا اقتضت مصالحها يوما أن تتعاون مع كوريا الشمالية (أخبرني مسؤول كوري جنوبي مؤخرا تنامي مثل هذا الاعتقاد في صفوف مواطنيه في أعقاب الطريقة التي باعت بها واشنطون حلفاءها الخليجيين.

بقلم د. عبدالله المدني

copy short url   نسخ
27/03/2016
811