+ A
A -
في سنوات المراهقة قرأت رواية لمؤلف نسيت اسمه ولكنني لم أنس أدق تفاصيل تلك الرواية، والتي تركت أثرا عميقا في نفسي، الاكثر من ذلك ساعدتني على الفهم، غيرتني بصورة أدق، وتحكي القصة باختصار عن فتاة جميلة تزوجت زواجا تقليديا من طبيب عادي المظهر، لا يشبه فتى الاحلام الذي رسمته في خيالها، لم يكن وسيما ولا غنيا ولا اجتماعيا، ولم تكن تترك فرصة تقلل فيها من شأنه امام اصدقائها العاطلين عن العمل والذي يسهرون كل ليلة في منزل الرجل الطيب يتناولون ألذ الاطعمة وأغلى انواع الشراب مع مضيفتهم الشابة التي ابتليت بزوج لا يتمتع بأية خصال حميدة فهي ضحية تستحق المواساة ولا بأس من الثناء على جمالها وذوقها وموهبتها طالما توفر لهم سهرات مجانية، وذات يوم عاد الزوج من عمله مبكرا ورقد على الفراش لبضعة ايام ثم فارق الحياة، وكان السبب أنه امتص بفمه صديدا من جسد طفل مريض، وتفاجأت الزوجة المتعالية بعدد الناس الذين تأثروا برحيله وقدموا للعزاء، وبكمية الدموع التي ذرفتها امهات ونساء لم تلتق بهم قط.. وسمعت لاول مرة كلمات غريبة كررها الكبار والصغار «كان رجلا عظيما» «وكم انت محظوظة بهذا الرجل» أنها لم تعرف ذلك من قبل، لم تحبه قط، لم تهتم به قط، لم تحاول حتى، لأنها كانت مشغولة بالبحث عن رجل عظيم يحبها وتحبه.
وكان هذا الرجل موجودا طوال الوقت امام عينيها لكنها لم تره.... لنواجه الامر كما قالت اشهر مذيعة في العالم «أوبرا وينفري» الحب موضوع قتل بحثا، قللنا من شأنه وضخمناه، أضفنا طابعا دراميا عليه إلى حد الخداع الشامل حول طبيعته، وحول ما ليس عليه، ومعظمنا لا يمكنه رؤية ذلك بسبب أفكارنا المسبقة عن طبيعته(من المفترض أن يعصف بك ويجعلك تسقط مغشيا عليك) وكيف من المفترض أن يظهر (طويل. جذابة. جميلة. وسيم. غني. خفيف الظل. بيضاء البشرة) لذا إذا لم يظهر الحبيب أو الحبيبة كما تصورنا نفشل في تمييز الحب، أن الحب موجود في كل مكان، من الممكن أن تحب وأن تكون محبوبا، بصرف النظر عن المكان الذي انت فيه، الحب موجود في صور مختلفة، أحيانا أسير في الفناء الخلفي لمنزلي وأستطيع أن أشعر بأن كل أشجاري تتمايل نحوي تعبيرا عن الحب بالفعل، انه موجود دائما لمن ينتبه اليه، لقد رأيت عددا كبيرا من النساء(وأنا من بينهن) منبهرات بفكرة الرومانسية، يؤمن بأن وجودهن لا يكتمل ما لم يجدن الرجل الذي يجعل حياتهن مكتملة، عندما تفكر في الأمر، أليس هذا التصور جنونيا؟ أنت، بمفردك، إنسان كامل، وأن شعرت بأنك لست كاملا، فأنت وحدك عليك أن تملأ الفراغات والمساحات المحطمة من خلال الحب، كما قال «رالف أمرسون» ليس هناك ما يجلب لك السلام سواك» ولن أنسى الوقت الذي كنت أنظف فيه أحد الادراج وعثرت على اثنتي عشرة صفحة أصابتني بالذهول، كانت رسالة حب كنت قد كتبتها ولكنني لم أرسلها (الحمد لله) لرجل كنت مغرمة به، كنت أبلغ 29 عاما في ذلك الوقت، وكنت مهووسا بهذا الرجل، كانت الرسالة الطويلة مكونة من 12 صفحة من العويل والنحيب بشكل مثير للشفقة، لدرجة أنني لم أصدق أنني انا من كتبت هذا الخطاب، لذا أقمت احتفالا صاخبا لتحرري من علاقة كنت اظنها حبا. لم اكن أريد وثيقة مكتوبة توضح أنني كنت في حال يرثى لها ومنفصلة عن ذاتي إلى هذا الحد.
لقد رأيت عددا كبيرا من النساء يضحين بأنفسهن لرجال لا يهتمون بأمرهن بشكل واضح، رأيت عددا كبيرا من النساء يرضين بالقليل وأقل من القليل، لكنني أعرف الآن أن العلاقة المبنية على الحب الحقيقي تؤدي إلى الشعور بالرضا، يجب أن تجلب لك البهجة- ليس لبعض الوقت فقط، بل معظم الاوقات، لا يجب أن تستلزم أبدا فقدان صوتك، أو أحترامك لذاتك، أو كرامتك، وسواء كنت في عمر الخامسة والعشرين أو الخامسة والستين، يجب أن تتضمن اظهار كل ملامح شخصيتك وتخرج من هذه العلاقة أكثر ثراء... ومرة أخرى ليس هناك ما يجلب لك السلام سوى نفسك.
بقلم : وداد الكواري
copy short url   نسخ
23/01/2017
1500