+ A
A -
في يناير المنصرم انطلقت في إسلام آباد المحادثات الرباعية حول السلام في أفغانستان بمشاركة حكومات باكستان وأفغانستان والصين والولايات المتحدة، لكن مع غياب ممثلي حركة طالبان (جوهر المشكلة)، بسبب عدم اعترافها بحكومة كابول. وقد استهل رئيس الوفد الباكستاني سرتاج عزيز (وزير خارجية سابق ومستشار حالي لرئيس الحكومة) الاجتماعات بتأكيده على ثلاث نقاط إرشادية هي:

منح الطالبانيين حوافر تقنعهم بالابتعاد عن العنف، والجلوس إلى طاولة المفاوضات.

وضع معايير مناسبة لخلق الثقة المتبادلة، وتعبيد الطريق أمام محادثات سلام مباشرة بين فرقاء النزاع الأفغاني.

وضع خريطة طريق واقعية ومرنة للسلام، تستبعد الأهداف غير الواقعية، مع تحديد الجداول الزمنية لكل خطوة

غير أن عزيز، في الوقت نفسه، كان يحمل في جيبه قائمة بأسماء قادة طالبانيين ممن يرغبون في الجلوس إلى طاولة المفاوضات دون شروط مسبقة (معظمهم من الذين انشقوا على الحركة بعيد الإعلان عن وفاة زعيمها السابق الملا عمر) وإنْ نفى سرتاج عزيز ذلك لوكالات الأنباء العالمية. فجاويد فيصل نائب المتحدث باسم الرئيس التنفيذي لأفغانستان أكد أن الباكستانيين سوف يعلنون تلك الأسماء قريبا، مضيفا: «إن الراغبين في السلام هم وحدهم من يجب أن يُدعوا للحوار، أما أولئك الذين يفضلون مواصلة الحرب فسوف يكونون هدفا للعمليات المشتركة ضد الإرهاب».

الخطوة الباكستانية التالية تمثلت في قيام قائد الجيش الباكستاني الجنرال راحيل شريف بزيارة كابول، قيل أنه تعهد فيها لمضيفيه أن تقطع بلاده كل أشكال الدعم المالي عن الطالبانيين المتواجدين على أراضيها في بيشاور وكويتا، علما بأن كابول لطالما اشتكت لإسلام آباد من هذا الأمر، فيما كانت الأخيرة تنفيه نفيا قاطعا.

على أن ما حدث مطلع الشهر الجاري يعتبر شيئا غير مسبوق خلال العقدين الماضيين من تاريخ باكستان التي دأبت على نفي أي تأثير أو نفوذ لها على حركة طالبان. صحيح أن الرئيس الباكستاني السابق برويز مشرف صرح في أكتوبر الماضي في مقابلة تليفزيونية أن بلاده «دربت وسلحت الميليشيات الطالبانية وأرسلتهم لخوض حرب مقدسة، فصاروا أبطالنا»، لكن مشرف لم تكن له وقت حديثه أي صفة رسمية. وهكذا فإن ما يعتد به هو ما ورد مؤخرا على لسان عزيز خلال مخاطبته لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس الأميركي. فماذا قال الرجل الذي ينتمي نفسه إلى العرق البشتوني المهيمن على أفغانستان؟

في تصريح هو الأول من نوعه، قال عزيز «إن الرئيس الأفغاني السابق حامد كرازاي كان يدمر مصالح باكستان، فعملنا ضده من خلال المحسوبين علينا، كي نحافظ على مصالحنا». وحينما سأله أعضاء الكونغرس عما إذا كان يقصد ميليشيات طالبان في عبارة «المحسوبين علينا» رد بالإيجاب، لكنه في شأن مدى تاثير باكستان عليهم قال أن الطالبانيين «في أحسن الأحوال لم يكونوا يستمعون لباكستان، سواء في قضية هدم تماثيل باميان أو إختطاف الأجانب.. كانوا فقط يستمعون لنا حينما يحلو لهم ذلك».

أما فيما يتعلق بالوقت الراهن فقد أوضح عزيز بجلاء أن لبلاده بعض النفوذ على طالبان لأن قادتها يعيشون في باكستان مع عائلاتهم، ويحصلون على الخدمات الطبية والاجتماعية، وبالتالي فإن باكستان في وضع يتيح لها ممارسة الضغوط عليهم لجلبهم إلى طاولة المفاوضات. لكنه استدرك قائلا أن بلاده لا تستطيع التفاوض معهم نيابة عن الحكومة الأفغانية لأنها لا تملك ما لدى الأخيرة من أشياء يطالبون بها.

بقلم د. عبدالله المدني

copy short url   نسخ
13/03/2016
878