+ A
A -
- أمي أقسم بالله إن أذنه تحركت.
ورأسه.. ألم يتحرك أيضا؟!
- لا.. فقط أذنه اليسرى.
فقط أذنه اليسرى؟!
- فقط أذنه اليسرى.. اهتزت بحركة سريعة.
ألم يكن يحمل جزرة؟!
- أمي!
من الغد يجب أن تدقق أكثر.. عندما يحرك أرنب أذنه اليوم.. فهذا يعني أنه سيتناول جزرة في الغد.
- أمي أنت غير مصدقة.
كل ما أود معرفته هو حجم تلك الجزرة.. أنا متأكدة أننا لو استطعنا انتزاعها منه سوف تكفي أهل القرية لعدة أشهر.
- أمي أقسم بالله إن أذنه تحركت.. لا يهم أن تصدقي شيئا مما أقوله.. سوف أثبت أنك ضحكت على معجزة بدل الإيمان بها.
أيام سابقة لا يمكن لي عدها- منذ أن وعيت معنى النظر إلى البعيد- أمضيتها محدقاً ومؤمناً بكون ذلك الشيء ما هو إلا أرنب كبير يجلس على قدميه الخلفيتين. كان ذلك قبل اليوم الذي قرر مكافأتي على هذا الإيمان بتحريك أذنه اليسرى قليلا. ورغم أن والدتي وكل من شاهده كانوا متأكدين أن كل ما هناك لا يعدو عن كونه مجموعة صخور وجدت منذ أزمنة بعيدة.. منذ مولد الأرض ربما... إلا أنهم لم يكونوا قادرين على تغيير قناعتي المطلقة..
بالطبع أمي لم تصدق أنني ذلك اليوم شاهدت إذنه تتحرك.. وضحكت على قصتي طويلا..
إلا أنها أخبرتني أن أحدا لم يصل إلى هناك:
- لم يصل أحد إلى هناك ليتأكد.. لا يحتاج أحد إلى عناء تسلق تلك الصخور الملساء التي تشكل قمة الهضبة.. ثم الدوران مسافة كبيرة حول القمة.. ثم التسلق مجددا منطقة أكثر وعورة قبل الوصول إلى ما يعرف الكل من هنا أنها صخور متراكمة تشكل صورة لأرنب جالس على قدميه الخلفيتين.
- سوف أذهب لأتأكد.
- مجنون.. تتأكد من ماذا؟!.. لا أحد يقول إنه لا يشبه الأرنب. من النظرة الأولى، وحتى بعد ساعات من التحديق، كما تفعل أنت، لا يمكن وصفه إلا بـ: أرنب كبير.. أرنب كبير جدا يجلس على قدميه الخلفيتين.. هذه هي الصورة الوحيدة التي يمكن رسمها له..
- لا يا أمي إنه لا يشبه الأرنب.. بل هو أرنب بالفعل.
أرنب يحرك أذنه لك.. صدق ما تود تصديقه.
كنت بالفعل مصدقا ما أود تصديقه.. لكن، وعندما ناداني ذلك اليوم بحركة من أذنه الكبيرة.. قررت الذهاب له..
لم يرافقني أحد من الكبار كل هذه المسافة لمشاهدة ما هو متأكد من أنها صخور متراكمة لها هيئة أرنب يجلس على قدميه الخلفيتين.. ولم تخاطر أم بالسماح لأحد في سني بمرافقتي إلى تلك الجروف الخطرة..
قررت الذهاب في الخفاء وحيدا..
عند الشروق مباشرة انطلقت باتجاه تلك الهضبة البعيدة.. البعيدة بالفعل.. البعيدة أكثر مما كنت أحسب.. عند منتصف النهار وصلت إلى المرتفع الأخير الذي يفصلني عن القمة المسطحة.. والتي ينبت في وسطها مرتفع هائل ومعزول يجلس في قمته ذلك الأرنب الكبير جدا..
بحرص بالغ ودون أن أثير أي جلبة استطعت الوصول إلى ذلك النتوء.. تسلقت.. ووقفت على قمته مباشرة.. ورفعت رأسي.. لمشاهدة هذا الأرنب الذي جئت في طلبه. لكن كل ما وجدته هناك هو ثلاث قطع ضخمة من الصخور متراكبة بشكل عشوائي..
لم يكن الأرنب هناك.. كانت خيبة أملي لا توصف..
عدت أدراجي..
وقبل أن أصل إلى منتصف الهضبة نزولا.. قررت النظر للمرة الأخيرة لذلك الوهم الذي حسبته أرنباً..
كان شيئاً مذهلاً.. كان هناك.. يقف على قدميه الخلفيتين.. وينظر إلى مباشرة.. ويتناسل من مكان وقوفه عشرات الأرانب السوداء الصغيرة، وما لن تصدقه أمي مطلقا أنه كان ممسكاً بجزرة كبيرة تكفي إطعام أهالي القرية لعدة أشهر.

بقلم : ضيف فهد
copy short url   نسخ
22/01/2017
4179