+ A
A -
تشهد الساحة الفلسطينية حراكاً سياسياً لافتاً حيث عقد اجتماع للجنة التحضيرية في بيروت ضم ممثلين عن فصائل من منظمة التحرير ومن خارجها، خصص للبحث في سبل عقد المؤتمر الوطني الفلسطيني، وتبع هذا الاجتماع لقاء جمع قادة الفصائل الفلسطينية في موسكو بدعوة من معهد الاستشراق التابع لأكاديمية العلوم الروسية تركز النقاش فيه على سبل توحيد الصفوف الفلسطينية وإنهاء حالة الانقسام السائدة المستمرة لأكثر من عشرة أعوام، واستطراداً لماهية الاستراتيجية الوطنية التي يجب اعتمادها لمواجهة التحديات الجسيمة التي تتعرض لها القضية الفلسطينية.
وعلى هامش اللقاء عقد اجتماع بين ممثلي الفصائل ووزير الخارجية الروسي سرغي لافروف الذي أكد «إن موسكو تدعم بصورة مبدئية وثابتة إعادة الوحدة الفلسطينية للتغلب على حالة الانقسام التي بدأت منذ 10 سنوات»، محذراً من أن «انعدام الوحدة يؤثر سلبياً على حل القضية الفلسطينية».
ولفت لافروف إلى أن «قبول حلول توافقية وإن كانت صعبة أمر مطلوب لضمان حقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف»، مشيراً إلى أن الهدف المشترك أمام القوى الفلسطينية يتمثل بإنشاء دولة فلسطينية مستقلة قابلة للاستمرار.
من الواضح أن التوقيت تزامن مع موعد تسلم الرئيس الأميركي دونالد ترامب مقاليد السلطة في البيت الأبيض وسط قلق متزايد من أن يترجم وعده الانتخابي بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، وما يعنيه ذلك من تطور يهدد بالقضاء على حل الدولتين وسد الأبواب نهائياً أمام أي رهان على إيجاد حل سياسي، ويقود أيضاً إلى تأجيج الصراع المحتدم على أرض فلسطين المحتلة.. ويبدو أن هذا الخطر هو ما دفع رئيس السلطة الفلسطينية ورئيس حركة فتح أبو مازن إلى الموافقة على حضور هذه اللقاءات في بيروت وموسكو في اطار الاستعداد لمواجهة احتمال نقل السفارة الأميركية للقدس وما سيترتب عليه من تداعيات نتيجة سقوط مراهناته على التسوية.
كما يأتي اجتماع الفصائل في موسكو في توقيت استعادة روسيا دورها المؤثر كدولة كبرى على الساحة الدولية، وشعور القيادات الفلسطينية بأهمية هذا الدور لمواجهة الانحياز الأميركي إلى جانب «إسرائيل» وسياساتها العدوانية والعنصرية والاستيطانية، واستطراداً دعم روسيا للحقوق الوطنية الفلسطينية في المحافل الدولية.
لا يخفى على أحد أن الرئيس أبو مازن يتمسك بمواصلة الرهان على خيار ونهج أوسلو، وهو لن يغادر هذا الرهان ويقرر إعادة النظر فيه إلاّ إذا اكره وأجبر على ذلك، وسدت الإدارة الأميركية أمامه كل السبل عبر نقل السفارة الأميركية إلى القدس.
ولهذا لا يتوقع أن تؤدي اللقاءات في الوقت الحالي إلى اتفاقات، سياسية وتنظيمية، مع الفصائل المعارضة للنهج السياسي لأبو مازن، لأنها قد تكبل أو تقيد حركته، لكن من المتوقع أن يبقي الباب مفتوحا على عقد لقاءات أخرى إلى حين جلاء حقيقة موقف إدارة ترامب من حل الدولتين، ومن مسائل الوضع النهائي، وفي القلب منها القدس، ليقرر ماهية الاتجاه الذي سيسلكه.
غير أن مثل هذه السياسة التي اتبعتها السلطة الفلسطينية، وبالتحديد قيادة حركة فتح، المسيطرة على مقاليد السلطة وعلى منظمة التحرير، ثبت فشلها على مدى العقود الماضية، وتبين أن الاستمرار في هذه السياسة لا طائل منه ويقود إلى مزيد من النتائج السلبية على القضية الفلسطينية، وأن لا سبيل لحماية الحقوق وتعزيز الموقف الفلسطيني إلاّ عبر سلوك طريق بديل يوحد هذا الموقف على أساس استراتيجية وطنية، تؤمن الحد الأدنى من الاتفاق الوطني حولها، ليتم على أساسها إعادة تشكيل مؤسسات منظمة التحرير على قواعد تضمن عودتها لتكون حركة تحرر وطني، وليست كما هي الآن مجرد هيكل يدعم سلطة تحت الاحتلال، وتنسق أمنياً مع الكيان الإسرائيلي، الذي استفاد ويستفيد من ذلك ويواصل سياسة قضم الأرض وتهويدها قطعة تلو قطعة، بغية تحقيق هدفه الاستراتيجي وهو إعلان الدولة اليهودية وتصفية القضية. وما حصل في مؤتمر باريس الأخير لهو مؤشر على سقف الموقف الغربي الذي لا يتجاوز مناشدة «إسرائيل» للسير في حل الدولتين، لكنه يمتنع عن الذهاب إلى اتخاذ أي إجراء يفرض على «إسرائيل» تنفيذ القرارات الدولية، أو يمارس الضغط الفعلي عليها عبر معاقبتها على الاستمرار في خرق القوانين والمواثيق الدولية والضرب بها عرض الحائط.
إن التوصل إلى استراتيجية وطنية فلسطينية بات مطلب الشعب الفلسطيني الذي يمارس الضغط على الفصائل الفلسطينية لتحقيقها، في حين أن الانتفاضة الثالثة المتواصلة تحرج جميع الفصائل وتضعها أمام تحدي الارتقاء إلى مستوى تضحيات الشبان الذين يهزون، بعملياتهم النوعية، أمن الاحتلال، ويعيدون القضية إلى واجهة الأحداث، مسقطين المخططات الهادفة إلى طمسها وتصفيتها.
بقلم : حسين عطوي
copy short url   نسخ
21/01/2017
3345