+ A
A -
لماذا قد يصلح «الخطاب الأخير»؟
كثيرون قد يتبادر إلى ذهنهم هذا السؤال العابر، وهم يُنصتُون إلى خطاب الرئيس الأميركي«باراك أوباما» في الأنفاس الأخيرة لولايته.
هل هو تمرين للبلاغة الجافة للسياسة على شؤون العاطفة،أم لحظة سماح أخيرة للانتقال باللغة والعبارة إلى سجل الذات والعائلة و«الشخص» المختبئ وراء جبة السياسي.
أم هو في النهاية مجرد حديث في الحصيلة والمكاسب،لا يخرج هو الآخر عن ركاكة الجملة السياسية عندما تعتنق عقيدة التبرير،أو عندما تطالها أعراض الداء الأشد فتكا بالسياسيين:مرض «إنكار الواقع».
هل هو لحظة اختبار قاسٍ لحدود فعل «الإرادة» في التاريخ،ولقياس المسافة بين الممكن والممتنع في السياسة؟، أم هو مناسبة أخيرة ونادرة لتحرر القول في السياسة من سطوة الأوهام، ولإنبثاق الحقائق العنيدة بعيدا عن الإنزياح الشاعري للإرادة،ولإعادة اكتشاف الواقع على إيقاع تبخر سحر»النيات الطيبة» للبدايات الممهورة بالحلم.
هل هو مجرد مناسبة للتعبير العمومي عن الندم،و لمصارحة الجمهور بعناصر العجز البنيوي للفعل،وبمقاومات التغيير في محيط القرار،عناصر ومقاومات لا ينتبه إليها السياسي عادة في حمأة بلاغة الانتخابات وعنفوان شعاراتها ووُعودها وحرارتها،ولا حتى في نشوة الانتصار التي تطبع خطابات التنصيب التي تُكتب من محبرة الأمل.
السؤال هنا، هل «الخطاب الأخير»،هو بالضرورة مرثية طويلة للسياسة ولاستسلامها أمام هيمنة الاقتصاد وتصاعد الشعبويات وخيانات النخب،أم أنه يمكن أن يكون مديحا مستحقا لها كنشاط إنساني لايزال بإمكانه مرافقة التاريخ نحو ضفاف التقدم،ومنح الناس المعنى الملائم للحياة المشتركة.
الواقع أن لحظة «الخطاب الأخير»، حيث يقف رجل السياسة، على عتبة الرحيل من صخب الحياة العامة مقتربا من إعادة تملك حياته «الصغيرة»، تبقى لحظة سياسية بامتياز،ذلك أنها مناسبة لرصد الأثر والمنجز العمومي،لكنها في ذات الآن مليئة بالشحنة العاطفية، إنها نهاية لقاء بين القدر الشخصي وبين قدر شعب أو أمة،و اختتام مرحلة تطابق استثنائي بين التاريخ الفردي /الخاص والتاريخ السياسي/العام.
لذلك ربما تكون كلماته مختلفة،ويبدو محاطا بكثافة في الرموز والعلامات،في طبيعة المكان ونوعية الحضور وانزياح العبارة.
تم لماذا ننتظر «الخطاب الأخير» ونحن نعرف أنه خطاب بلا رهانات ولا مُستقبل،وانه سيذهب صوب العاطفة أكثر مما سينحو اتجاه العقل، هل نفعل ذلك طمعا في دروس جديدة عن العبور المتكرر لتجربة السلطة، أم بحثا عن وصايا ثمينة قد يُلهِمُها زمن ما قبل الرحيل،أم تطلعا للمعنى العميق المتواري وراء كثافة الوقائع ومتتاليات الأحداث وتعاقب الشخوص؟
أم أننا نفعل ذلك ببساطة،لمجرد إرضاء غريزة أدبية لا تُقاوم بلاغة الوداع.

بقلم : حسن طارق
copy short url   نسخ
20/01/2017
4467