+ A
A -
صيغة الدولة المثلى في كونها جهازا إداريا لتنظيم حركة المجتمع ومراقبة انشطته بعيدا عن التدخل المسلوب لجهة دون غيرها أو لفكرة دون أخرى. الانتقال إلى هذه الصيغة ليس من السهولة بمكان. في الاساس ليست هناك اشكال للدولة كما هو مطروح اليوم، مثل الدولة القومية أو الدولة الدينية أو الدولة الطائفية.
هذه في الحقيقة ليست دولا بل هي صور لما قبل الدولة، إذا انتسبت الدولة للدين أو للطائفة أو للقومية خرجت من مفهوم الدولة الاسمى، أصبحت دولة ينهشها التآكل نظرا لالتصاقها بصفة أقلوية لجزء من السكان. لذلك ومن هنا يمكن معرفة إشكالية الدولة العربية القائمة حاليا حيث ينبثق تصورها وأفقها الابعد من نظرة قاصرة لشموليتها واستمرارها بل وتمدنها. يتعامل المجتمع المدني في الدولة الحقيقية مع التباين الديني فيها وليس الدولة الدولة تبقى حيادية، بينما المجتمع المدني وأجهزته تتعامل مع الفروقات والاختلافات داخلها من خلال تصريفها في قنوات مدنية ونقابات وجمعيات. ولا تتركها لتصطدم بالدولة ويكون الغلبة للأقوى وتنحاز الدولة بعد ذلك إلى جهة أو طائفة أو دين. تقوم الدولة الحقيقة على مستويين، مجتمع مدني كالذي ذكرت ومجتمع سياسي، ينظم إفرازات المجتمع المدني سياسيا ويوضح سبل التفاعل وآلية السلطة. في مثل هذه الدولة تصبح المواطنة لا الدين أو القبيلة أو الطائفة محدد الانتماء الاول والاخير، ويصبح بناء الدولة الخارجي من القوة بمكان بحيث لا يمكن هدمه مهما تغيرت السلطة فيها وبأي شكل كان هذا التغير. حاولت الدولة القومية فيما سبق التقدم في هذا الاتجاه إلا أنها فشلت نظرا لايديولوجيتها ولم تستطع ان تفسخ للمجتمع المدني داخلها مجاله الارحب وبالتالي كانت مجتمعها السياسي محددا مستقبلا باحزاب قومية أو بحزب قومي مسيطر، كذلك الدولة الدينية وحيث الدين اساسا مجاله المجتمع المدني ويدار من خلال الدولة بحيادية، إلا انها «الدولة الدينية» أدارت هي ذاتها الدولة فإختفت الحيادية بين اطياف المجتمع وأديانه. لذلك أي تغيير في هذا النمطين من أنماط «ما قبل «الدولة» يرجع الأمر إلى المربع الاول مربع ما قبل الدولة شهدنا ذلك ونشهده في عالمنا ماقبل ثورات الربيع العربي أو ما بعدها. الحقيقة المرة هي اننا كمجتمعات عربية نعيش مرحلة ما قبل الدولة بامتياز حتى وإن ارتفعت اعلامنا فوق بناء الامم المتحدة أنها أعلام قبيلة أو طائفة أو جماعة أو دين.

بقلم : عبدالعزيز الخاطر
copy short url   نسخ
18/01/2017
1789