+ A
A -
بعض النساء والشعراء يعشقون صقيع وثلج الشتاء، ولكل منهما اسبابه، فبعض السيدات ينتظرن الشتاء لتبييض البشرة، التي تكون شمس الصيف قد لفحتها بإسمرار
اما الشعراء فيرون في الشتاء اكبر صانع للكآبة والعزلة والشجن، وحينما تتسلل الكآبة إلى نفوسهم على اطراف اصابعها، تتسلل معها افكار القصائد الملونة بالحزن والمبللة بالدموع، ومع ذلك لا تكون حرارة قصائد الشتاء كحرارة طقسه باردة وصاقعة، بل «تفلفلها» النفوس المرهقة.
الفلاحون في الحقول يصنعون لانفسهم دفئا جميلا بمواجهة صقيع الشتاء، فيشعلون «ركية» نار من «قوالح» الذرة، أو الاغصان الجافة لشجيرات تشبه شجيرات «الغضا» التي كانت تستخدم بمنطقة الخليج حطبا ووقودا للطهي بلا ادخنة، ومن دون ملوثات الاحتراق.
نار «الركية» في الشتاء تصنع اجمل مذاقات الشاي، حيث الاخشاب المستعرة تنبعث منها ادخنة تختلط بماء الشاي، مما يجعل شاي الركية مختلفا في مذاقه عن شاي صنع على موقد كهرباء أو غاز، ومن ثم يشيع الشاي عالي السكر دفئا من الداخل يضاف إلى الدفء من الخارج الاتي من نار «الركية».
كاتب هذه السطور يرى الشتاء افضل ثلاجة طبيعية تطيل العمر، فنحن نطيل عمر الفاكهة والخضراوات ومختلف المأكولات بوضعها في احشاء ثلاجة، بينما كل هذه الاشياء تفسد بسرعة لو اننا وضعناها خارج الثلاجة.
ومن ثم فالشتاء يوفر لنا ثلاجة طبيعية، فكلما اشتد صقيعه، كلما جعلنا نعيش في ثلاجة طبيعية تطيل اعمارنا، ولهذا تجد الأوروبيين والشعوب التي يطول فيها فصل الشتاء ويشتد صقيعه اطول عمرا، وافضل صحة، لانهم يعيشون في ثلاجة، بينما نحن في صيف منطقتنا نكون خارج الثلاجة لشهور ليست قليلة.
ولم استغرب ما قرأته ومفاده انه في درجات حرارة دون الصفر يلجأ عشرات من المجريين المسنين إلى حديقة في بودابست للتزلج على الجليد كل صباح للحفاظ على حيويتهم ونشاط القلب عبر الرقص على الجليد، فالمسنون في اوروبا لا يجعلون الشتاء فصلا للشباب فقط، بل انه فصلهم ايضا الذي يبعث فيهم نشاطا وحيوية
غير ان هذا الشتاء الذي انخفضت فيه درجة الحرارة في دول اوروبية عدة إلى ما دون الصفر، كان مميتا لمهاجرين مشردين لم تمتد اليهم يد الرحمة، ولم يطالهم عطف الإنسانية، فلم تتحمل ابدانهم الهزيلة برد قارص، فلقوا حتفهم على نحو مأساوي مقيت، فالفقراء لا يستعذبون الشتاء ولا امطاره التي تطاردهم في مآويهم ومساكنهم الفقيرة، لانه يفضح فقرهم.
ثم اليس لافتا ان وطننا العربي تكمن فيه معظم طاقة العالم التي تدفئ اوصاله المرتعدة بردا، بل وتجود في اراضينا زراعة التمر والكروم، اللذين يبعثان في الابدان دفئا طبيعيا، وتسطع في شتائنا شمس تجذب وتغري سياحا من كل اصقاع الارض، وجمال الصحراوات العربية في الشتاء لا يضاهيها جمال.

بقلم : حبشي رشدي
copy short url   نسخ
17/01/2017
1272