+ A
A -
يا لصعوبة تأبين شاعر انتبه الناس على حقيقة أنهم يحبونه إلى هذا الحد، إنهم لم يخططوا لفراقه في وقت قريب، وراعهم، كسر قلوبهم هذا الذهاب الذي لم يخطر لهم على بال. كان في صوره، أثناء مرضه، ما يثير قلقهم قليلا. لكن كان هناك شيء أكبر دفعهم إلى النكران، إلى عدم التصديق، دفعهم للاستبعاد، أغراهم بعدم الاستعداد، وجعلهم مكشوفين أمام الكارثة، كارثة فقدهم، وجعلهم يتلقون في مقتل الوجع الذي لا مفر منه، وجع موت شاعر عصي على التكرار. واكتشفوا بقدر هائل من الذهول، لا لم يكن اكتشافا، بقدر ما كان تذكرا، بأن عبقريا كان يعيش بينهم، وأنهم كانوا يحبونه دون إعلان مبالغ فيه، ولأنه كان يضحك، وكريما، ومستعدا للشجار والمصالحة، والتشجيع، لأنه كان يأكل الطعام ويمشي في الأسواق، لم يفكروا في طريقة أكثر إتقانا لحمايته، مع أنهم سيعرفون، وفق مشيئة الله، أن هذا الموت، لا حماية منه ولا فرار، وأنه في النهاية سيقوم بما يتقنه: خاتلهم وأخذه، اختطفه، فر به، وهو يضحك، كان شاعرهم هو الذي يضحك، مثل عادته، وأن عليهم الآن أن يسترجعوا ببطء، قصائده، وهم يعرفون أنه لن يكون هناك المزيد منها، لن يكون هناك المزيد من أمهار شعر بهذه الرشاقة:
حزين من الشتا ولا حزين مـن الظمـى يـا طيـر
دخيـل الريشتيـن اللـي تضفـك حــل عــن عيـنـي
دخيل الما وملح الما وحزن الما قبل ما تطيـر
تهـيـا للهبـــوب الـلــي تـصـافـق فـــي شرايـيـنـي
دخيل الغصن والظل الهزيل وهفهفات عصير
دخـيـلـك لا تـشــح بنجـمـتـي والـلـيـل ممسـيـنـي
ترفرف يا فقيـر الريـش ضيقـه والنهـار قصيـر
علامـك كــل مــا لـيـل جنـاحـك جـيـت ساريـنـي
أنا ماني بخير وجيت يمي وأنت ما أنت بخير
وأنـا يـا طيـر فــي مــن الهـجـاد الـلـي مكفيـنـي
ترى لو شفت لي ظل ومهابة في عيـون الغيـر
ترى كل الزهـاب اللـي معـي جرحـي وسكينـي
لن يكون هناك المزيد من:
قلت انورت كل الدروب السمر
والعيد جا يمشي على الجره
برق السنين ومجهمات وقمر
جيتي وخفاقي نفض شره
والوطن، يعرف أن هناك العشرات سوف يستمرون بالكتابة له، لكنه يعرف أيضا أنه لن يكون هناك المزيد من:
غنيت مجدك رفيف أخضر وسيف ورسن
يا عشب روحي بها الدنيا ونويرها
وأنها المرة الأخيرة التي يكتب فيها أحد له بهذا الحب والفروسية:
يا وطنـا دامـت أعيـادك
كل عـام وكلنـا دونـك
الفخر يقدح مـن زنـادك
والرخا يورق من غصونك
والمدى يستلهـم أبعـادك
والندى يقصر من لحونـك
يوم جينا نكتـب شـدادك
والقلوب تقـول ياعونـك
القصايـد يـوم ميـلادك
يـوم شافتهـم يهنونـك
جت تخطى فوق سجـادك
وريعت في صدر مضنونك
سوف نضيف اسما مع إشارة، في سجل تاريخنا الطويل من الشعراء العباقرة، اسما أتاح لنا جميعا، الحياة مع، ثم رفعة الحزن على فقد معجزة، وأنه، ربما بانتباه كاف، يحق لنا الفخر، أن هذا الوطن ما زال لديه القدرة على إنجاب متنبئونا الخاصين، الذين دائما ما يسجل التاريخ أسماءهم مع: إشارة.
بقلم : ضيف فهد
copy short url   نسخ
15/01/2017
4967