+ A
A -
عادة ما تتغير الأنظمة السياسية في أعقاب الحروب أو الهزات الاقتصادية المدمرة، لكن ما حدث في الولايات المتحدة من تغير مرتقب للنظام السياسي الذي توافق عليه الأميركان بعد الحرب العالمية الثانية بعد اختيار دونالد ترامب للرئاسة أحدث صدمة لم يفق العالم من أثرها بعد، بل إن آثارها الحقيقية لم تبدأ بعد، حيث يواصل ترامب عبر طريقته الصدامية وغير المتوقعة الصدمة والترويع، ليس للأميركان فقط وإنما للشركات العالمية والمؤسسات والدول التي تتعامل مع الولايات المتحدة، ولأول مرة يستخدم رئيس أميركي وسائل التواصل الاجتماعي وتحديدا «تويتر» ليعلن من خلاله القرارات والفرمانات والتهديدات، فالرؤساء يعتمدون البيانات الرئاسية أو الخطابات أو المؤتمرات الصحفية لكن الرجل الذي لم يعقد مؤتمرا صحفيا منذ خمسة أشهر اتخذ من تغريدات تويتر وسيلة يرسل بها رسائله للجميع، فمائة وأربعون حرفا من ترامب كفيلة بأن تهز البورصات وتربك العملات في الأسواق العالمية وتجعل أسهم الشركات تعلو أو تهبط، فبعدما أعلن عن فرض ضرائب على شركات السيارات التي تؤسس المصانع خارج الولايات المتحدة لتصدر لها السيارات وتستفيد من الاعفاء الجمركي تدنت أسهم هذه الشركات على الفور ودخلت إداراتها في متاهة، أما الإدارة الأميركية ولاسيما وزارة الخارجية فقد اضطربت بعدما طالب جميع السفراء الذين عينهم سلفه أوباما بالاستقالة في اليوم الأول لتوليه السلطة، وهذا أمر غير مسبوق، حيث عادة ما تكون هناك استثناءات لاسيما لأصحاب العائلات الذين لهم أولاد في المدارس أو غير ذلك، لكن ترامب يستخدم الصدمة والترويع مع الجميع، مستغلا السلطات الرئاسية الواسعة التي رسخها أوباما، كما أن الرجل يسبب صدمة مع كل مسؤول يضعه في منصب في إدارته، وقد جاء بشخصيات وضعها في أماكن حساسة ما كان أحد يتوقع أن يكون لها أي منصب أو دور في صناعة مستقبل الولايات المتحدة.
ولأن الولايات المتحدة هي أكبر قوة عسكرية واقتصادية في العالم، فإن سياستها تؤثر في العالم أجمع وليس على الأميركان وحدهم، ولأن ترامب جاء من خارج المنظومة التقليدية للحكم ليحكم بمنظور رجل الأعمال، وليس السياسي المتمرس، فإن التغيرات التي يمكن أن يحدثها في العالم لن تكون سهلة أو بسيطة لاسيما وأنه بدأ يدلي بتصريحاته التي أقلقت الحلفاء والأصدقاء، فالأوروبيون قلقون من ترامب أكثر من غيرهم، لاسيما وأنهم الحلفاء الأقربون للولايات المتحدة وقد عبروا عن صدمتهم فور الإعلان عن فوزه، كما أن من يعتبرون أنفسهم أصدقاء للولايات المتحدة فلا يعرفون ما الذي يمكن أن يقوم به حيالهم، وقد أعلن أنه سوف يجعلهم يدفعون ثمن الصداقة بأثر رجعي، مما يعني أنهم ربما يصبحون مديونين للولايات المتحدة لقرون قادمة حتى يسددوا ثمن الصداقة.
مصطلح الصدمة والترويع مصطلح عسكري يستخدم في الحروب، لكن ترامب يستخدمه في تصريحاته السياسية ليحدث به الأثر الاقتصادي والسياسي، وقد نجح إلى حد كبير حتى الآن، رغم أنه لم يتول السلطة بعد، وربما بعد أن يتولاها يكون له شأن آخر.

بقلم : أحمد منصور
copy short url   نسخ
09/01/2017
51027