+ A
A -
لا يوجد في مجتمعاتنا العربية ما يسمى ليبرالي أو اشتراكي أو يميني أو يساري بمعنى السياسي، ولا حتى علماني يرى حيادية الدولة أمام الأديان مطلبا. استخدامنا لهذه المصطلحات استخدام عشوائي انطباعي، مجرد شعارات نسلخها من عالم السياسة لنرتديها في عالم ما قبل السياسة، فمجتمعاتنا ليست مجتمعات سياسية في الأصل، هي مجتمعات إما قبلية أو طائفية أو دينية، في حين تلك المصطلحات تنشأ في سياقات سياسية معينة مثل الأحزاب والتكتلات، لننظر إلى الكويت مثلا وهي مجتمع قبلي لديه تيارات سياسية يختلف بها عن سائر دول مجلس التعاون لها قدر من الحرية في الممارسة، ومع ذلك طبيعة المجتمع القبلية هي الغالبة واليوم أخذت الطائفية محل القبلية في إشعال المواقف وتبني التوجهات نظرا لما يدور في المنطقة عموما من تأجيج للطائفية، فانتصرت طائفية البعض على ليبراليته، وقبلية البعض على وطنيته. لننظر إلى إيران ايضا وفيها من التيارات المعتدلة والليبرالية إلا أنها تدور ضمن الإطار الديني لا السياسي والطائفي لا التعددي، فهي ليست أكثر من خداع ليس إلا.
مصطلحات المجتمع المدني تلك لا يمكن تمريرها في مجتمعات أخرى غير مدنية، قد يكون الفرد يحمل فكرا ليبراليا لكنه دون مجتمع مدني ينظم هذا الفكر سياسيا بحيث يصبح هناك برنامج واضح يستطيع الفرد ان يقبله أو ان يرفضه، لا يمكن الحديث عن ليبراليته أو علمانيته بدقة،لأن الفرد عرضة لتحرك البنية الاساسية الأولية للولاءات، فينزاح الفرد معها تلقائيا ضد القشرة الهشة والشعار الذي يحمله في وقت الاسترخاء. سياقات المجتمع المدني تختلف عن سياقات المجتمع غير المدني سواء القبلي أو الطائفي أو الديني بشكل عام. من يحمل فكرا ليبراليا داخل مجتمع ديني لا يمثل الليبرالية الإرادية لأنه رد فعل في الغالب، ومن يحمل فكرا علمانيا قد لا يعي ما تعنيه العلمانية بقدر ما هو حانق على استخدام السياسة للدين بشكل فاقع داخل مجتمعه، مفاهيمنا لا تتعدى طبيعة مجتمعاتنا المتخلفة، فنحن في حالة مثلى من الدقة حينما نتكلم عن مفاهيم – رافضي- ناصبي، أو شيعي –سني، طائفيا وقبليا –قبيلي – عجمي أو فارسي....الخ من مفاهيم أو مصطلحات مجتمعات ما قبل السياسة، فالصداع المزمن الذي يصيبنا نحن سببه وضحاياه في نفس الوقت دون وعي ولا إدراك، بل وهروبا من الحقيقة المعاشة واختباء عن العصر وتطوره فنعيش في خداع مستمر لأنفسنا ولأجيالنا.

بقلم : عبدالعزيز الخاطر
copy short url   نسخ
08/01/2017
1840