+ A
A -
شكل اندحار اليسار واحدا من النتائج الكبرى للانتخابات التشريعية المغربية الأخيرة، حيث ان مجموع النواب المنتمين إلى التنظيمات السياسية اليسارية الممثلة في مجلس النواب،لا يتجاوز نسبة العُشُر من مجموع النواب.
إذ على الرغم على مستوى الاهتمام الإعلامي أو من خلال حجم التعاطف غير المسبوق الذي لاقته اللائحة الوطنية الفيدرالية لليسار (اتحاد ثلاثة تنظيمات يسارية )، ممثلة بالسيدة نبيلة منيب، الأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد، من طرف رموز النخبة الفكرية والأكاديمية والثقافية والفنية، أو على مستوى الحضور القوي داخل وسائط التواصل الاجتماعي، فإن هذا التحالف لم يستطع تجاوز عتبة الحضور الرمزي الممثل في نائبين إثنين.
فيما لم يستطع حزب التقدم والاشتراكية الحصول على فريق داخل المجلس مكتفيا بما مجموعه 12 نائب، في نفس الاتجاه سجل الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية أكبر نسبة تراجع في الانتخابات الأخيرة بفقدانه ما يقارب نصف نوابه،ليحصل بالكاد على ما يؤهله لتشكيل فريق برلماني من عشرين نائبا.
إن الأفول الانتخابي لليسار في الواقع ليس سوى واحدا من ارتدادات الزلزال العنيف الذي أصاب الخريطة الحزبية الوطنية في الاقتراع الأخير، والذي لا يمكن قراءته إلا كإعلان عن دورة حياة جديدة للحزبية المغربية.
لذلك يبدو الامر ملائما لاستخلاص الدرس، ولإعادة فتح النقاش حول مستقبل اليسار، الذي ومنذ بداية الستينيات، لم يحدث أن وجد نفسه، في أي محطة انتخابية، وهو على هامش المعادلة السياسية المغربية، كما هو عليه اليوم.
ذلك أنه يبقى عنصرا رئيسيا للتوازن، في مشهد حزبي يعرف من جهة هيمنة واضحة لحزب العدالة والتنمية، ومن جهة أخرى يعرف ضعفا باهتا لأحزاب اليمين الليبرالي على مستوى الاستقلالية والمشروع السياسي.
وهو ما يجعل من الحاجة إلى اليسار، مضاعفة، من جهة للدفاع عن الديمقراطية والمواطنة وحقوق الإنسان، ومن جهة أخرى للدفاع عن العدالة الاجتماعية وسياسات تكافؤ الفرص.
ولعل أهم تحول، يستطيع اليسار «الجديد» استثماره، يتعلق بالمتغيرات الكبرى للظاهرة الانتخابية، والتي تتميز أساسا بعودة واثقة للسياسة، وبتحرر نسبي واضح في القدرة على التعبير الحر على السيادة الشعبية، ويتراجع ثالوث “المال، الإدارة، البادية”، كبنية محددة للسلوك الانتخابي.
في النهاية، فإن هذه الهزيمة الانتخابية، يمكن استثمارها، لصياغة مشروع سياسي جديد، أكثر تعبيرا عن التيار الاشتراكي الديمقراطي الموجود داخل المجتمع والذي لم يعد يستطيع التماهي مع أي من التنظيمات الموجودة.
مشروع لا يعتبر الوحدة، مسألة انصهار ميكانيكي للتنظيمات، ولكن تفاعلا حيا مع طلب مجتمعي معلن، ولا يحمل أي عقدة من الجمع بين المبدئية السياسية والشرط الأخلاقي والنجاعة الانتخابية.
مشروع يعيد التفكير في التموقع الأيديولوجي، في أفق الانتقال من يسار اليسار ومن حالة اليسار نصف الإصلاحي نصف الاحتجاجي، إلى مساحة فارغة اليوم وهي اليسار الإصلاحي بالمرجعية الاشتراكية الديمقراطية العصرية.
مشروع يعيد تعريف نفسه كقوة ديمقراطية،منفتحة وعصرية بالأساس وليس كهوية أيديولوجية مغلقة.

بقلم : حسن طارق
copy short url   نسخ
06/01/2017
4538