+ A
A -
مع بزوغ فجر السنة الميلادية الجديدة، تبلور أهم حدث يخص سوريا وأزمتها المستمرة منذ 2011م. إنه مشروع القرار الذي أعدته روسيا وتركيا وتبناه مجلس الأمن الدولي بالإجماع في أول وأهم توافق دولي يخص الأزمة السورية الدامية! أبدع المشروع بتبني كلمات كبـيرة ورنانة وتمسك بمرجعية قرارات ومشاريع ومفاوضات سابقة لكنه قد يكون كمثل كتاب عمرو بن هند للشاعر طرفة بن العبد الذي يحمل بين طياته مقـتل الشاعر نفسه! المتـفائلون بالمشروع يحق لهم ذلك فقد جاء موحدا وقويا وبضمانات دولية لكن المتـشائمين لهم عذرهم فما قبله من قرارات ومشاريع ذهبت في مهب الاستبداد والإرهاب والطائفية والعجز الدولي!
«النوايا» هي أهم مشروع في السياسة الدولية هذه الأيام! على سبـيل المثال، أكد مشروع القرار «التـزام مجلس الأمن القوي بسيادة واستـقلال ووحدة وسلامة أراضي سوريا»، كلام قوي! لكن هناك دولا عظمى ترسم ما يسمى «سوريا المفيدة» بالدم السوري الطاهر! وهناك دول عظمى أخرى ترسم كيانا كرديا في الشمال السوري بالدم السوري الطاهر كذلك! وهناك دول صغيرة لكن ظهرت لها أنياب وتـشارك في تمزيق الكيان السوري الواحد بشعارات غوغائية وذرائع طائفية واسترجاع أحقاد تاريخية لفظها التاريخ لكن أعادتها إيران وميليشياتها جذعة على الأرض السورية الطاهرة!
من ناحية أخرى أكد مشروع القرار «على أهداف ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة»! لكن لا أحد يحق له أن يسأل أين كانت الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي في مذبحة حلب التي لم يشهد التاريخ مثلها إرهابا وعنـفا وصمتا دوليا لا يطاق؟ بل حتى مشاركة دولية متعمدة في التهجـير القسري والتغيـير الديموغرافي في حلب ومناطق أخرى من سوريا الأبية! هل هناك من يستطيع أن ينسى داريا ومضايا والقصير وحمص أو ينسى الباصات الخضراء؟ جاء في القرار تأكيدات قوية على دعم الهدنة في سوريا وإطلاق عملية سياسية تخرج البلاد من الأزمة المتـفجرة لكن دون الحديث عن الأصابع التي تـخرق الهدنة أو عن الأصابع التي تـنـفخ في الأزمة وتعقدها وتـشعل أوارها منذ سنوات! إذا لم يوضع حد للإرهاب الدولي المتـنـقل الذي يمزق سوريا فلن تـنـتهي الأزمة ولو أصدر مجلس الأمن مائة قرار وقرار!
وعلى نـفس خط الأمم المتحدة ووعودها الهزيلة يشجع القرار على «السماح للوكالات الإنسانية بالوصول السريع والآمن ودون عوائق إلى جميع أنحاء سوريا»! حسنا، هذا كلام جميل ومعبر لكن ما يحدث على الأرض ليس قريبا من ذلك ولا موافـقا له! ما يحدث على الأرض أن العالم الطيب والعالم السيئ كلهم تـخلوا عن الشعب السوري المعذب والمهجر والمطحون في مذبحة العصر الجديد! المذبحة السورية الكبيرة أتـت تكملة لما سبقها من مذابح فهي كما يقال «مذبحة وعليها شهود»! كأنـني تـذكرت مذبحة سربرنيتسا في البوسنة فقد كان عليها «شهود» من القوات الدولية التابعة للأمم المتحدة آنذاك!
الأهم في مشروع القرار الجديد أن أجزاء منه «قديمة» قدم بـيانات جنيف وقرارات مجلس الأمن السابقة! أكد القرار الجديد أن «الحل المستدام الوحيد للأزمة السورية هو من خلال عملية سياسية شاملة استـنادا إلى بيان جنيف في 2012 وقرارات مجلس الأمن 2118 و2254 و2268»، (كأنها أرقام لوحات سيارات مميزة للبـيع)! كلام كبـير وفعل صغير! ثم ماذا بعد يا مجلس الأمن؟ لقد تم توجيه دعوات إلى بعض الأطراف لمفاوضات سياسية في آستانه، عاصمة كازاخستان لكن المجتمع الدولي الذكي! لم ينس توجيه تهمة الإرهاب لأطراف أخرى والمشكلة أنه ليس من بين هذه الأطراف الميليشيات الطائفية المتـنـقلة التي تحشدها إيران من كافة الأرجاء وتـزج بها في التـنور السوري بشهادة المجتمع الدولي الصامت!
الحقيقة أن المشروع الجديد في العام الجديد جاء مخـتلفا هذه المرة عما سبقه من مشاريع وقرارات لكن توقيته ينبئ بإمكانية تمزيقه والقـفز عليه فيكون كأنه لم يكن! المشكلة الأولى هي أنه جاء قبـيل تولي الإدارة الأميركية الجديدة لمقاليد الأمور، وإن كانت الاستراتيجية الأميركية لن تخـتلف باختلاف من يحكم البيت الأبيض إلا أن رياح الحرب الباردة الجديدة قد تهب على المنطقة وتجعل من سوريا أحد أهم أدواتها الجديدة! المشكلة الأخرى هي سهولة تدمير القرار بخروقات مخطط لها في أي منطقة من الكيان السوري المدمر أساسا وهذا ما يحدث في وادي بردى وعلى أعينكم أيها الضامنان! إذن ستـتحول الأنظار الدولية نحو الأزمة السورية من متابعة المشروع الجديد وتحفيز قدراته على حل الأزمة إلى مراقبة وإحصاء الخروقات وطرح سؤال المليون: هل يصمد وقف إطلاق النار أم لا؟
د. صنهات بن بدر العتيـبي بقلم:
copy short url   نسخ
03/01/2017
4485