+ A
A -
«إن تقدم قوات النظام السوري في مناطق شرق حلب لا يمثل انتصاراً للأسد أو بوتين.. هناك ملايين السوريين الذين لن يقبلوا هذه النتيجة، وسيواصلون القتال.. لذلك أرى أنه من الأفضل للرئيس الروسي والذين يدعمهم الجلوس إلى طاولة المفاوضات بغرض التوصل إلى اتفاق يبعد سوريا عن نظام الأسد». ليست «نبوءة» وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون هي التي أقنعت «القيصر الروسي» فلاديمير بوتين بعدم جدوى الانتصار العسكري وبضرورة البحث عن حل سياسي مع من كان يرفض التفاوض معهم أو حتى الاعتراف بوجودهم!
انتصر بوتين في حلب على أشلاء مئات وآلاف القتلى، وتشريد ونزوح عشرات الألوف من السوريين المدنيين العزل، في مجزرة وصفها البعض بثالث أبشع مجزرة في التاريخ الحديث بعد سيربرينيسا وغروزني! حقق نصراً أراده وفرضه، وبدونه لم يكن جيش الأسد قادراً على مجرد الدخول إلى شرقي حلب.
واعتقد كثيرون أن المعركة ستستمر، وأن الهجوم القادم سيستهدف إدلب، وإذ ببوتين يرتب لقاءً ثلاثياً في موسكو يجمع وزراء خارجية روسيا وتركيا وإيران، وينتج عنه «إعلان موسكو» الذي يقر وقفاً شاملاً إطلاق النار على كافة الأراضي السورية، ويسطر إعلاناً من خمسة نقاط لبدء عملية التفاوض لأول مرة بين النظام السوري وفصائل المعارضة المسلحة التي كانت مصنفة إرهابية.. فلماذا يبحث بوتين عن حل متوازن، ولماذا ذهب إلى مجلس الأمن لاستصدار قرار داعم لوقف إطلاق النار؟ واللافت في هذا التطور الذي أدى إلى الاتفاق هو قبول إيران (على مضض؟) بأن تقوم عملية التفاوض على أساس «جنيف 1» (2012) وقرار مجلس الأمن 2254 الذي يلحظ مرحلة انتقالية تستثني بشار الأسد.. ولكن طهران غابت أو تم تغييبها، وكذلك النظام السوري، عن مفاوضات الاتفاق على النقاط الخمس لوقف إطلاق النار. وتقدمت أنقرة كضامن لفصائل المعارضة فيما تكفلت موسكو بضمان النظام، الذي كان يريد الاستمرار في القتال و«تحرير كل سوريا»، كما كان يعلن الأسد باستمرار.
إن هذا الاتفاق والسعي لحل سياسي متوازن يتيح لـ«القيصر الجديد» وضع نفسه في منتصف الميدان والإمساك بخيوط الأطراف المتحاربة مباشرة، أو من خلال تركيا، بما في ذلك خيوط الفصائل الإسلامية المعارضة التي كان يعتبرها «إرهابية»، والتي حولها الاتفاق من مواجهة روسيا إلى مفاوضتها، وإلى القبول بها كحكم في الشأن السوري، فيما باتت موسكو مجبرة على اعتبار الأسد مجرد طرف سوري كباقي الأطراف.. والأهم في لعبة الشطرنج هذه أن روسيا ستعتمد على تناغم موقفها مع موقف الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب الذي سيدخل البيت الأبيض خلال أسبوعين، والذي سيمكّن موسكو من تسويق نفسها كمنقذ للملالي من سيف أميركا وعقوباتها المسلط عليهم.
أما إيران فهي الطرف الأساسي الذي لا يريد حلا سياسيا في سوريا.. فهي تريد أن تتواصل الحرب والدفع بروسيا إلى التورط أكثر بهدف القضاء على الفصائل المسلحة وإطفاء جذوة التمرد ضد الأسد، الذي لا يمكنه أن يستمر في موقعه من دون الحرب.. وأن أي اتفاق ينهي الصراع السوري بحل متوازن يشكل ضربةً لطهران ونفوذها في سوريا، ويخسرها أهم أداة لها، إذ إن بعض القادة الإيرانيين يعتبرون سوريا «المحافظة الإيرانية الخامسة والثلاثين».. فالأرجح أن تسعى طهران إلى إفشال الاتفاق.
في المقابل، بدأت تركيا تحصد النتائج الإيجابية لانعطافتها نحو موسكو، وتنسيقها معها في الشأن السوري.. ولعل أولى الثمار تتمثل في الاتفاق مع جارها الشمالي على إحباط أي مسعى لإقامة كيان كردي على حدودها الجنوبية، وفي حصول أنقرة على دعم روسي في حربها ضد «داعش»، وللمنطقة الآمنة التي قررت إقامتها شمال سوريا.. كما شرع أردوغان بلعب دور مقرر في سوريا والعراق، وفي إبعاد روسيا نسبياً عن إيران، بانتظار عودة التفاهم مع الولايات المتحدة.
فهل ينجح «الثعلب» بوتين في لعبة الشطرنج هذه المرة، أم لايزال لدى طهران أحجار تنقلها؟

بقلم : سعد كيوان
copy short url   نسخ
03/01/2017
4349