+ A
A -
القرار الأممي 2334 سقوط استراتيجي لإسرائيل لم تعرف مثله منذ قيامها؛ لقد بدت الدولة العبرية في المنظمة الدولية دولة منبوذة.
هذا القرار هو فعلاً تاريخي، ليس لأنه يؤكد لاشرعية الاستيطان، فذلك لا يحتاج لشهادة من أحد، بل إنه تاريخي لأنه يثبت أن للقضية الفلسطينية حلفاء وأصدقاء محتملين قد لا يكونون عرباً بالضرورة.
صحيح أن الولايات المتحدة امتنعت عن استخدام حق «الفيتو» كما تفعل عادة دفاعاً عن الدولة العبرية في كل محفل ومناسبة، لكن ما حصل ليس صحوة ضمير أميركية، وليس فقط تصفية حسابات بين باراك أوباما، وبنيامين نتانياهو، بل تأكيد على أن الأول أشد حرصاً من الثاني على مستقبل إسرائيل. فالحرص الأبوي الأميركي على أمن إسرائيل ومستقبلها لا يحتاج إلى دليل، ويؤكده كل يوم جميع المسؤولين الأميركيين وفي مقدمهم جون كيري الذي ما انفك يردد أن لدى الولايات المتحدة هدفاً واحداً ووحيداً، هو الحفاظ على إمكان التوصل إلى حل الدولتين، باعتبار أنه «الطريق الوحيد لضمان مستقبل إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية».
ويبقى أوباما هو الرئيس الأميركي الأكثر خدمة لتل أبيب من بين الرؤساء الأميركيين الـ 44 حتى الآن.
ويشهد على ذلك أن حجم المساعدات المالية والعسكرية الأميركية لهذا الكيان بلغ في عهده أرقاماً قياسية، وصحيح أيضاً أنه يصعب توقع سلوك إدارة ترامب وكادرها الديبلوماسي الصهيوني الذي بتنا نعرف أسماء بعض رموزه، وربما يكون نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس المحتلة، عنوان معركة آتية في منابر عالمية، قد يكون فيها الأميركي وحيداً أو شبه وحيد في الاعتراف بالقدس عاصمة إسرائيلية. من هنا، لا يفترض استبعاد وجود أصدقاء حقيقيين لفلسطين في منابر عالمية، سياسية أو قضائية دولية، بعد قرارات اليونيسكو الأخيرة ومجلس الأمن والجمعية العمومية.
وفي أي حال، فإن القرار 2334، الذي تبناه مجلس الأمن بغالبية ساحقة، للمرة الأولى منذ 36 عاماً، يمكن أن يكون نقطة تحول سياسية كبيرة، إذا ما أحسنت القيادة الفلسطينية البناء عليه، كما يمكن أيضاً أن يتحول إلى مجرد قرار تتم أرشفته إلى جانب قرارات كثيرة سبق وتبناها مجلس الأمن والجمعية العمومية، ولم يحسن الفلسطينيون التعامل معها، وبل وفرغوها من محتواها الحقيقي عندما فضلوا المفاوضات الثنائية بدل الإصرار على تطبيق قرارات الشرعية الدولية.
ويؤمل بألا يستخدم القرار للمناورة من السلطة الفلسطينية «لإجبار» نتانياهو للعودة إلى «طاولة المفاوضات» التي لن تأتي بشيء، وإنما ضمن استراتيجية نضالية لإحقاق العدالة للشعب الفلسطيني وإنهاء الاحتلال.
إذا ما تعاملت السلطة الفلسطينية مع هذا القرار على أنه مجرد ورقة ضغط على حكومة نتانياهو للعودة للمفاوضات مع وقف الاستيطان عشية تسلم ترامب الحكم في الولايات المتحدة، فإن ذلك سيعني للدول الداعمة للقرار ولنضال الفلسطينيين، أن السلطة الفلسطينية غير معنية فعلاً بملاحقة إسرائيل وفرض عقوبات عليها نتيجة الاستيطان، بل هي وسائل لإجبار إسرائيل على العودة إلى المفاوضات العبثية.
وإن كانت الديبلوماسية الفلسطينية الرسمية، وأصدقاء القضية ينوون التوجه إلى محاكم دولية، بخطة واضحة ووثائق متماسكة، فلا يستبعد أن يلقى مسعاهم النجاح، رغم صعوبة المهمة في ظل وجود إدارة صهيونية في البيت الأبيض، وفي ظل وصول حالة التعبئة العدوانية في إسرائيل إلى أقصى يمينيتها وصهيونيتها، والأخطر في ظل تطبيع عربي غير مسبوق مع إسرائيل، وانتقال دول عربية رئيسية من تأييد الحق الفلسطيني العربي، إلى مرحلة الحياد السلبي، وصولاً إلى حمل مواقف وسلوكيات تقترب من الانقلاب الكامل على القضية الفلسطينية.
بقلم: أمين قمورية
copy short url   نسخ
28/12/2016
4490