+ A
A -
جاء «إعلان موسكو» بعد جريمة حلب ليضع العالم أمام مسرحية هزلية تحاول التـغطية على الجريمة وتحقيق نصر سياسي من عمل عسكري متهور! الإعلان المقـتضب يحمل في طياته الكثير من التـقية والخداع كما يرسم بعباراته الماكرة سابقة قانونية خطيرة فقد تم تهميش المعارضة السورية والشعب السوري وتحجيم نـظام الأسد الذي سلم بلدا كاملة على طبق من دم للأعداء والمتربصين! يمثل إعلان موسكو التـفافا على القرارات الدولية واستـفرادا بالأزمة السورية لكن حجم ردود الفعل تجاهه خاصة من قبل الشعب السوري وأصدقاء سوريا قد تجعل منه حلا مؤلما للقضية السورية أو مجرد ورقة في مهب الريح!
يقال في التـفكير الاستراتيجي إن النصر العسكري الذي لا يعقبه نصر سياسي لا يعتبر إنجازا يعول عليه! وهذا ما تحاول روسيا ترتيـبه بإعلان موسكو متـغافلة عن أن ما حدث في حلب لا يعتبر نصرا عسكريا بهذا المعنى لكنه هزيمة أخلاقية غير مسبوقة! تأثرت روسيا بمفهوم التـقية السياسية ومارسته بعنجهية في اجتماع موسكو كما مارست الإجرام والوحشية في حلب وريفها أمام أنـظار العالم وفي ظل صمت المجتمع الدولي الذي يعتبر شريكا استراتيجيا للدب الروسي في مأساة حلب وسوريا كلها!
إعلان موسكو وقبله مذبحة حلب جاءت كلها في سياق التصادم بين مشاريع متعددة في المنطقة! المشروع الروسي خطير للغاية وقد أعقب إعلان موسكو قراران مهمان يرسمان ملامح الطريقة الروسية في ابتلاع الكعكة السورية واقـتـناصها من بين أنياب شركائها في النصر المزعوم في حلب! قرار إرسال أفواج من الشرطة العسكرية الروسية إلى حلب (من طرف واحد) وقرار توسيع القاعدة الروسية في طرطوس (من طرف واحد) وصياغة «إعلان موسكو» نـفسه كلها مؤشرات على إن الدب الروسي سيعمل منـفردا لخلق مساحات جيوسياسية ترسم ميلاد حقبة استعمارية روسية ربما وشرق أوسط جديد حسب مقاسات المصلحة الروسية في ظل تواضع ردود الأفعال الدولية والإقليمية!
المشروع الإيراني من ناحية أخرى يحاول تـثبـيت المكاسب التي تحققت على الأرض في كل من العراق وسوريا! إيران تضغط لضمان استمرار طريقـتها الفريدة في التـغلغل واستـثمار النـفس الطائفي لتحويل «ولاية الفقيه» إلى وضع سياسي يدين بالولاء لإيران وسياساتها في دول الهلال الخصيب وفي عموم دول الشرق الأوسط! إعلان موسكو يـبلط الأرضية لتحول إيران من شريك في الجريمة إلى شريك في الحل! وتطوير دور طهران من فاعل دموي إلى فاعل سياسي للتـغطية على الجريمة والاستـفادة منها وربما تكرارها في مناطق أخرى!
هناك ملاحظات تجعل من إعلان موسكو إعلانا ماكرا لكن توجد ملاحظات أخرى تجعل منه قاعدة لقوة دفع سياسية جديدة في غير صالح الشعب السوري والأمة العربية! أهم الملاحظات أن إعلان موسكو اعتبر تركيا ممثلا للمعارضة السورية والضامنة للمعارضة السورية! وإيران ممثلا لنظام الأسد وهذه يمكن فهمها وقبولها سياسيا فإيران ونظام الأسد في مركب واحد! لكن التمثيل التركي للمعارضة السورية يستعصي على الفهم وتسبـب في ولادة إعلان موسكو ميتا خاصة في حالة استمرار رفض الائـتلاف الوطني والهيئة العليا للمفاوضات والفصائل العسكرية السورية والشعب السوري لهذا الإعلان جملة وتـفصيلا!
هناك نـقطة ضعف قانونية في إعلان موسكو الذي يصّعد من الدور الروسي ومن خلفه الدور الإيراني ودور نظام الأسد ليجعلهم يؤدون دور «صانعي الحل» مع إنهم «صانعو المشكلة»! كيف يحق للقانون الدولي أن يقبل قيام ثلاث دول بتحديد مصير دولة مستـقلة وشعب حر! هذه سابقة قانونية خطيرة مستر بوتين تـضاف لسوابق «التهجـير القسري» و«التغيير الديموغرافي» و«إحراق المدن» المكتظة بسكانها وكل من فيها! حاول إعلان موسكو ممارسة اللعب اللغوي بفرض عبارات مثل إجلاء طوعي للسكان بدلا عن جريمة التهجير بالقوة العسكرية فظهر الإعلان كمحاولة سياسية بائسة للقـفز على الجريمة الإنسانية التي ارتكبت في حلب وريف حلب وبقية المدن السورية!
من ناحية أخرى، تـتجلى الخطورة في إعلان موسكو عند النجاح بجعله «قوة دفع» لفرض الأمر الواقع من خلال فرض «سوريا الجديدة» كدولة علمانية متعددة الأعراق والأديان ما قد يؤدي إلى حتمية التـقسيم وفرض النـظام الفيدرالي في سوريا على المدى البعيد! مرة أخرى جاء إعلان موسكو كمحاولة للقفز على قرار مجلس الأمن 2254 وتـفاهمات فيـينا في كل القضايا المتعلقة بالأزمة السورية مثل النظام الجديد والفـترة الانـتـقالية ومسألة بقاء نـظام الأسد الخ! إعلان موسكو محاولة ماكرة للاستـفادة من العمل العسكري الذي تم في حلب وتوظيف المعارضة السورية المفبركة (معارضة قاعدة حميميم ومعارضة القاهرة) التي ظلت موسكو تـنفخ فيها طويلا وستبرزها في الوقت المناسب! وهنا يأتي دور (رد الفعل) من الشعب السوري والمعارضة السورية، أما أصدقاء سوريا فالكرة في ملعبهم والأسلحة التي تصنع الفرق في مستودعاتهم!
بقلم:د. صنهات بن بدر العتيـبي
copy short url   نسخ
27/12/2016
4438