+ A
A -
أيام وتصل 2016 إلى نهايتها. ستحل سنة جديدة يتمناها من يفكرون بالرغبات هادئةً وسعيدة. لكن بالله كيف يمكن أن تُولد سنة سعيدة من رحم سنة تعيسة؟!! لقد كانت 2016 مليئة بالدماء والأشلاء وغرائب الأشياء. ولم تكن الوحيدة. فالسنوات القليلة السابقة عليها كانت أيضاً مليئة بالدماء والأشلاء وغرائب الأشياء. ولن يكون مستغرباً أن تحل السنة الجديدة ومعها تحدياتها ونذرها ومصائبها. فالزمن سلسلة تترابط حلقات الماضي والحاضر والمستقبل فيها مع بعضها البعض بقوة. ولن تنقطع تلك السلسلة لأننا نرغب وإنما قد تنقطع فقط متى كنا نستطيع.
وبلا كذب على الذات، فالعرب لا يستطيعون. يحلمون بكسر السلسلة لكنهم بأفعالهم يلفونها أكثر حول خاصرتهم. باختصار، ستكون السنة الجديدة على الأرجح امتداداً وليس تغييراً لما رأيناه. لماذا؟
لأن المنطقة بطبعها مكشوفة. والمناطق المكشوفة لا تخفي عيباً أو تستر عورةً مهما حاولت. ومنطقتنا تبدو عيوباً استراتيجية واقتصادية وسياسية وأخلاقية جسيمة ظاهرة عليها بوضوح. فاستراتيجياً هي ساحة مفتوحة للعبث من القادمين من الخارج البعيد والقريب على السواء فضلاً عن أنها رخوة أمام العابثين من الداخل. واقتصادياً لا تزال هي منطقة المحصول الواحد. النفط أسمى منتجاتها. هو الذي يرفعها وهو الذي يهوي بها. أما سياسياً فمستبدة حتى النخاع، عرفت مراراً كيف تهزم الديمقراطية فكراً وممارسةً. وتبقى أخلاقياً مسكونة بنفاق من كافة التيارات. من الإسلاميين الذين وعدوا بجنة الله على الأرض ثم راحوا يوغلون في الدماء. ومن القوميين الذين رفعوا راية الوحدة وكانوا أول من غرس فيها بذور الفرقة والتفتيت. ومن الليبراليين الذين تغنوا بالحرية بينما اصطف كثير منهم مع الطغاة.
وهذه العيوب الاستراتيجية والاقتصادية والسياسية والأخلاقية لا تزال حية. وستظل حية في 2017 وسنوات طويلة قادمة بعدها. وهو ما يجعل التنبؤ بالقادم في منطقتنا سهلاً لأن نفس العوامل التي حكمتها في 2016 ستبقى تحكمها في 2017 مع بعض الإضافات. وهي للأسف إضافات قد تزيد اللهيب لهيباً. ومن أبرز هذه العوامل وباختصار أربعة هي: الطائفية والمكفولية والنفاذية والطفيلية.
أما الطائفية فستواصل حضورها في 2017 بعد أن تحولت إلى قناعات مجتمعية بل ورؤية سياسية. وستظل طائفية العام القادم مزودة بأنياب عسكرية وميليشيات بعضها أقوى من الدولة نفسها. والعامل الثاني، أو المكفولية، فتعاني المنطقة من أزمة أمن متفاقمة بدلاً من أن يعالجها العرب بالتقارب من بعضهم البعض راحت أطراف عديدة بينهم تعالجها بالتقارب من كفلاء إقليميين ودوليين تعمق الصلة معهم أحياناً وتستبدلهم بآخرين قرروا التراجع وتقليل انخراطهم في المنطقة أحياناً أخرى. ولن يترتب على تغيير الكفالات الاستراتيجية إلا تعميق الخلافات العربية في العام الجديد خاصةً أن هناك ضغائن قديمة لم يجر تهذيبها ومعارك جارية لا توجد أفق بعد لتسويتها. والعامل الثالث هو اتساع النفاذية على المستويين الداخلي والخارجي. أما داخلياً فسيقابل التراجع الواضح للحريات وقوى المجتمع المدني اتساع في نفاذية الأمن في كافة المجالات. وخارجياً ستسهل هشاشة البنية الأمنية للمنطقة اختراق قوى الجوار الإقليمي والقوى العالمية. ومثل هذه النفاذية هي التي دفعت منتدى الفكر العربي مؤخراً إلى إطلاق صيحة تحذر من عودة الاستعمار الذي بدأت قواته وقواعده تنتشر في المنطقة بدعوى المساعدة فيما هي حجة لبقاء طويل.
وأخيراً هناك عامل الطفيلية حيث يتوقع مع الضغوط الاقتصادية المتزايدة أن تتسع الممارسات المالية المنحرفة خلال العام الجديد بكل ما لها من تداعيات اجتماعية وسياسية. ستتواصل طفيلية الطبقات الانتهازية الناهبة للمال العام وطفيلية الدول الفقيرة الضاغطة على الدول الغنية وطفيلية الأفراد المعوزين بكل ما لديهم من وسائل الانحراف والفساد.
هذه العوامل الأربعة سترسم معاً جانباً كبيراً من ملامح 2017 الذي يرجح أن يرتفع فيه منسوب الكراهية والضغائن الطائفية والمذهبية، وترتبك فيه الحسابات السياسية المحلية بسبب تغير حسابات الكفلاء الدوليين والإقليميين. وتنتعش فيه السلطوية أكثر مما انتعشت في العامين الماضيين. وتقع فيه أزمات اقتصادية تصاحبها ضغوط اجتماعية جديدة. ومع أن هذه ليست استنتاجات وإنما مجرد ترجيحات إلا أن الترجيحات في المناطق المكشوفة تكاد ترقى لأن تكون وقائع مرئية. ففي المناطق المكشوفة لا يصعب التنبؤ طالما أن الاستمرار يغلب بوضوح على التغيير.
بقلم : د. إبراهيم عرفات
copy short url   نسخ
26/12/2016
4551