+ A
A -
الخطة «ب». تعبير يدل على الانتباه. يعني أننا جاهزون. لو فشلت الخطة «أ» فلدينا البديل. لكن الكلام على الورق سهل. أما في الواقع فقد تكون الخطة «ب» أسوأ من الخطة الأصلية «أ». وشيء من هذا يجري هذه الأيام بشأن سوريا.

ففي السابع والعشرين من الشهر الماضي بدأ سريان هدنة برعاية روسية أميركية تمهيداً لاستئناف المفاوضات وإيجاد حل سياسي للأزمة. وهذه هي الخطة «أ». خطة تمنع التصعيد وتفتح المجال لحل شامل. لكن تلك الخطة ولدت ومعها بذور فنائها.

فمنذ 2012 عقدت عدة هدن لم تصمد منها واحدة. فمنذ اتفاق ديسمبر 2012 الذي سمح لمراقبي الجامعة العربية بالإشراف على سحب القوات والأسلحة الثقيلة من المدن الرئيسية إلى اتفاق ديسمبر 2015 برعاية الأمم المتحدة لفك الحصار عن حي الوعر في حمص، لم تصمد هدنة واحدة. فلماذا ستنجح الهدنة الأخيرة خاصةً أن توازن القوى الذي سبق سريانه يعتبر في ذاته عاملاً إضافياً لاختراقها. فالأسد يطمع بعد أن ساعده الروس في استعادة سيطرته على كامل سوريا ولا يريد بالتالي أن توقفه هدنة. والمعارضة لا ترضى ببقاء الأسد ولهذا لن تكبل نفسها بهدنة. وداعش طالما ظلت مستهدفة ستحاول قلب سوريا كلها رأساً على عقب. ومع أن الروس يباركون الهدنة إلا أنهم أول من يخترقها بقصفهم لمواقع المعارضة. والأميركيون وإن شاركوا في اتفاق الهدنة إلا أنهم سارعوا للحديث عن الخطة «ب». وهم لم يفعلوا ذلك ربما إلا لأنهم يعلمون أن الخطة «أ»، أو الهدنة، لن تصمد طويلاً ولن تؤسس لمفاوضات يتمخض عنها حل سياسي.

لكن الخطة «ب» يحوم شرها من الآن في الآفاق. لا يوجد أحد لم يسمع من كيري عن الخطة «ب». ولا يوجد أحد أيضاً يعرف بالتحديد ما هي الخطة «ب». ولهذا فقد تصاعد الجدل حولها واحتدم الخوف منها بسرعة. البعض اعتبر أن إشارة كيري إلى الخطة «ب» مجرد تخويف نفسي لكي لا يعرقل الأسد مسار التسوية السياسية من جديد. والبعض الآخر ذكر أنها تتضمن إقامة منطقة آمنة في شمال سوريا وزيادة تسليح المعارضة. لكن تفسيراً ثالثاً ذهب إلى أن الخطة «ب» تتمثل في تقسيم سوريا بدليلين. أولهما أن كيري نفسه ألمح إلى ذلك عندما تحدث عن الهدنة عندما قال «قد يكون من الصعب إبقاء سوريا موحدة إذا استمر القتال لفترة أطول من ذلك». والدليل الثاني أن روسيا أعلنت على لسان نائب وزير خارجيتها «سيرجي ريابكوف» أنه «من الممكن أن تصبح سوريا دولة فيدرالية» مشيراً إلى «أن العملية التي من شأنها تحديد معايير سوريا المستقبل لم تبدأ بعد».

وعليه فالأمر الوحيد الواضح بجلاء أن الأجواء حول سوريا ما زالت ملبدة بالغيوم. فلا الخطة «أ» جديدة ولا الخطة «ب» معروفة. الخطة «أ» تحاول عقد هدن لطالما فشلت. والخطة «ب» في يد الكبار. والكبار لا يتفاوضون في العلن ولا يحلون ما بينهم من خلافات بالتجزئة وإنما كصفقة كبرى. وما بين روسيا وأميركا من خلافات سواء حول أوكرانيا أو أسعار النفط أو اللاجئين أو دعم موسكو للأحزاب القومية في أوروبا لا ينفصل عن الأزمة في سوريا. سوريا الآن هي الثقب الأسود الأكبر في جسد النظام الدولي. كل من يذهب إليها محارباً يموت أو يتعثر. وكل ما ينفق على الحرب فيها يضيع. لقد مزقتها الخطة «أ» بعد أن هدت كل هدنة جرى توقيعها جزءًا من النسيج المجتمعي السوري. ولا تحمل الخطة «ب» لها الدواء بقدر ما تفتح الطريق إلى انتشار أكبر للداء. ففي ظلها إما أن يزيد الدعم العسكري للقوى المتقاتلة أو أن يُتفق على تقسيمها تحت مسمى جذاب هو الفيدرالية. لذلك لا يمكن لخبير أو سياسي أن يعرف مستقبل سوريا. لا أحد يعرف. الأمر الوحيد المعروف هو أن بلداً قتل فيه مئات الآلاف وشرد منه ملايين اللاجئين لا يمكن للأسف وهو يعيش كل هذه السيولة أن يتماسك قبل أن يهدر مستقبل أجيالاً عديدة من أبنائه.

د. إبراهيم عرفات بقلم

copy short url   نسخ
07/03/2016
807