+ A
A -
مؤخرا انضم زعيم ماليزيا الأسبق مهاتير محمد إلى المطالبين باستقالة زعيم بلاده الحالي نجيب رزاق، متهما إياه بسرقة الأموال العامة واستغلال منصبه في الكسب غير المشروع، ومضيفا أن ماليزيا «يتحكم فيها اللصوص» حسب تعبيره.
المتابعون للشأن الماليزي لم يستغربوا موقف مهاتير هذا، لأن الرجل منذ تقاعده في 2003 وهو لا يكف عن اتهام كل خلفائه بالفساد أو التقصير، علما بأنه هو شخصيا من ساهم في الإتيان بهم إلى السلطة على اعتبار أنه الأب الروحي للمعجزة الماليزية والرمز الأبرز في صفوف حزب «أومنو» الحاكم دون انقطاع منذ استقلال البلاد.
فقد اتهم نائبه وصديق عمره وساعده الأيمن «أنور إبراهيم» بالفساد والإفساد، وجره إلى محاكمات كيدية، فقضى نهائيا على حلم وصوله إلى السلطة التي وعده بها، مثلما قضى على حلم نائبين سابقين له هما «موسى حاتم» و»غفار بابا». وبسقوط إبراهيم ودخوله المعتقل وقع اختيار مهاتير على نائبه المطيع «عبدالله أحمد بدوي» ليحل محله وقت تقاعده، مسبغا عليه الكثير من المديح، وواصفا إياه بالشخص الوحيد القادر «على مواصلة المشوار ومواجهة ما تتعرض له ماليزيا من مخاطر داخلية وخارجية». لكن الأخير سرعان ما تعرض لسهام مهاتير الذي انقلب عليه 180 درجة إلى حد وصفه بالشخصية الرخوة والفاشلة التي «لا تعرف كيف تدير البلاد»، والرجل الفاسد الذي أرسى المناقصات على أقاربه، ثم مطالبته بـُعيد انتخابات 2008 العامة بالتنحي، وهو ما فعله بدوي صاغرا.
وقتها فسر مراقبون كثر موقف مهاتير بأنه رد على محاولات بدوي الجريئة لفتح ملفات الفساد في الحقبة المهاتيرية الطويلة (22 سنة)، أو رد على وقوفه في وجه رغباته بإدارة شؤون البلاد من خلف الكواليس. وهكذا اختارت ماليزيا في 2009 نجيب رزاق ليكون زعيما جديدا لها، بدعم من مهاتير الذي لم يجد أمامه غير هذا الرجل الذي لوالده (ثاني رؤساء حكومات ماليزيا الامير تون عبدالرزاق) دين في رقبته باعتباره الزعيم الماليزي الذي صعـّده داخل أروقة الدولة والحزب، مشرعا فوزيرا فنائبا لرئيس الحكومة، إلى أن وصل إلى هرم السلطة في 1981.
الغريب في الأمر أن الرجل الذي وصم كل خلفائه بالفساد قال ذات يوم، في معرض الدفاع عن نفسه وأولاده في مواجهة الذين اتهموهم بالفساد، إن الفساد موجود في كل مكان، ومتوقع على أي أرض تشهد حراكا تنمويا، مضيفا مقولته الشهيرة «إن من لا يعمل هو وحده بمنأى عن الفساد».
هذا الأسلوب المهاتيري في تحطيم صورة كل من اختارهم الرجل بنفسه كخلفاء له ليس له تفسير، في رأي الكثيرين، سوى أن مهاتير، منذ تركه السلطة، يعيش حالة مرضية فحواها استماتته لتكريس صورته كزعيم ملهم وقائد أوحد للمعجزة النهضوية الماليزية، وكأنما هناك من ينفي أنه الزعيم العصامي المحنك وصاحب الانجازات العظيمة وأول رئيس لوزراء ماليزيا من خارج النخب الملكية.
لكن ما هي تهمة رزاق التي جعلت مهاتير يلتحق بجيش المتطاولين على الرجل الذي لم يبق له في السلطة سوى اقل من 20 شهرا على موعد الانتخابات العامة القادمة؟
ملخص القصة أن رزاق ــ بحسب مصادر المعارضة الماليزية والادعاء الأميركي ــ متهم بتحويل مئات الملايين من الدولارات من صندوق سيادي أسسه في 2009 لتعزيز الاقتصاد الماليزي تحت اسم «MDB 1»، إلى حسابه الشخصي من أجل إنفاقها على شراء عقارات لنفسه وأسرته وشركائه في الولايات المتحدة. وقد نفى رزاق هذه التهمة، مثلما نفى من قبل تهما حول تلقيه عمولات من شركات أجنبية مصنعة للسلاح، مشيرا في هذا الصدد إلى أن المفوضية الماليزية العامة لمكافحة الفساد أجرت تحقيقات مكثفة، فثبت لديها أن «الأموال الموجودة في حساباتي المصرفية لا علاقة لها بأموال الصندوق السيادي» وأنه لم يرتكب أي مخالفة للقانون تستوجب المساءلة.

بقلم : د. عبدالله المدني
copy short url   نسخ
25/12/2016
4365