+ A
A -
بلغتُ الستين، وفي رأسي تراكم خبرة مهنية، وتجارب حياتية وإنسانية.
كرسي المعاش، لهو سعيد إذن، وكذا الظلُ. وكذا كلُ من يمرُ، ليقول لي يا عمك صباح الخير أو نهارك سعيد، أو آن لك الآن آن تدخل جوا!
على كرسي المعاش، سأجترُ ما قدم دماغي، ووجداني.. وما قدمت يديا... وما قدمت رجلي! سأستعيدُ وجوها، ومشاوير، وضحكات، ونهنات بكاء. سأستذكر نجاحاتي وخيباتي. سأستذكر كل اللحظات الحلوة والمرة. سيخفق قلبي بأثر رجعي لأول يوم رسمت لي فيها الحبيبة هلالا على فمها.. سأسترجع كيف انتحب قلبي على حب مستحيل.. وكيف صفق قلبي وأنا في ثياب العرس أهش بابتساماتي على المعازيم.. وكيف أنني ملأت رئتي بأنفاس أول أطفالي، وآخر العنقود!
سأفعلُ كل ذلك، دون أن أتلقى ريالا واحدا، أو حتى هللا.. ودون أن يكافئني (مديري) أو يخصم مني، كعادته، ودون أن اتلقى منه توبيخا، أو خطاب إنذار بقطع عيشي!
المعايش على الله. لكم قلت ذلك- مرارا- وأنا غير معنى بحسومات من راتبي، أو قطعه كليا.. وسأقوله الآن بكل ايمان العجائز، وأنا على كرسي المعاش، بدون راتب على الإطلاق!
«رزقكم في السماء، وما توعدون»
من يخاف على الرزق، فيه ما فيه من الشرك الخفي، فيا مُقسم الأرزاق، نجني من هذا الشرك، وأنا على الكرسي الذي يشهد أنني كنت ذا تاريخ رجلا مالي كرسي العطاء، بكل عنفوان الشباب!
مالي ومال المال، وأنا على هذا الكرسي.. آخر كراسي الدنيا؟
مالي وماله، وأنا لا أريدُ وأنا في هذا العمر، إلا ما يستر الحال، في النهاية: «كفن من طرف السوق.. وشبر في المقابر»!
آه، يا دنيا، آه!

بقلم : هاشم كرار
copy short url   نسخ
25/12/2016
1153