+ A
A -
اعتدنا في متابعة المصطلحات السياسية الأميركية التي تختصر في عبارة واحدة، معنى أوسع من منطوق الكلمة، أن نجد مصطلح المؤسسة ESTABLISHMENT. وهو مصطلح يكثر استخدامه في وصف تجمع لأطراف تلتقي عند هدف واحد، أو مفهوم مشترك.
هذا المصطلح كانت له دلالات معينة في انتخابات الرئاسة الأميركية على طول السنوات الماضية. فعندما يدخل السباق اثنان من المتنافسين جمهوري وديمقراطي، فإن كلا منهما لا يخرج عن حدود ومواصفات من تريد له المؤسسة أن يكون رئيسا.
بحيث لا يختلف أحدهما عن الآخر، في التزامه بمراعاة القيم والمصالح، التي تعتبر المؤسسة نفسها الحارس الأمين عليها، والمؤسسة تبقى في خلفية المشهد السياسي، وليس في صدارته. وتتكون من الناحية المادية، من الكيانات الاقتصادية، وإمبراطوريات المال الكبرى، ومن الناحية المعنوية ممن يحافظون على تراث مستقر يرون أنه يعبر عن أميركا «الأمة».
وضمن خصائصه معنى القوة والتفوق، وأن القوى والقادر على أن يكون منتجا للثراء، هو الأميركي الذي تقوى به أميركا، وليس الضعيف غير المؤهل للصعود، والذي سيكون نقطة ضعف للدولة، ومن ثم يظل دوره هامشيا أو معدوما، بالإضافة إلى تراكمات تراثية مثل عدم وجود الاعتبار الكافي لمفاهيم العدالة الاجتماعية، والمساواة العنصرية، وهو شيء لا يزال متجذرا في بعض الولايات بخاصة في الجنوب، وهو ما كشفت عنه استطلاعات الرأي في الانتخابات الرئاسية الأخيرة.
بالطبع يمكن أن تجد رئيسا يختلف عن سابقه، أو منافسه، في مساراته السياسية، خاصة في السياسة الخارجية، لكنها لا تخرج عن الإطار العام المحكم لفهم أميركا لنفسها، كأيديولوجية، وقوة عظمة مهيمنة.
والاستثناء من هذه القاعدة نادر الحدوث، وربما يكون قد حدث مرتين في السنوات الأخيرة، مرة مع رئاسة جورج بوش عام 2001، وتولى المحافظون الجدد أهم المناصب في إدارته، وتبنيهم سياسة خارجية، وصفها الأميركيون أنفسهم، بأنها تمثل انقلابا في السياسة الخارجية. والثانية أثناء الانتخابات الأخيرة ودخول ترامب السباق عن الحزب الجمهوري، متمردا على كل المفاهيم التقليدية، التي كانت تعبر عنها وترسم خطوطها، المؤسسة، بالمعنى الحزبي والانتخابي.
بل إن بعض أنصار ترامب وصفوا ما فعله بخصوص السباق، بأنه اقتحم كابينة قائد طائرة، واختطفها، مع وجود احتمال في تحطم الطائرة.
وكما ذكر بعض المحللين الذين تابعوا هذه الانتخابات، بأن جذورها تمتد في أرض هذه الظاهرة المؤسساتية.
هنا تظهر ملامح صور المؤسسة فيما دار من جدل حول مواقف الحزبين الجمهوري والديمقراطي من غزو العراق.
وما ظهر من محاولة بعض من أيدوا الغزو من التنصل من مواقفهم وقتها، فالمعروف أن المحافظين الجدد هم الذين نفذوا خطة الغزو، لكن اتضح أنها لم تكن ظهرت وقتها، فقد وضعوا خطتها عام 1992، أي قبلها بحوالي عشر سنوات، وكان ديك تشينى وزير الدفاع في إدارة بوش الأب، وقدمها إليه، لكن بوش الأب رفضها. فوضعها تشينى في حقيبة أوراقه، وظلت هكذا إلى أن جاء نائبا للرئيس مع بوش الابن عام 2001. ثم نفذت نفس الخطة بحذافيرها عام 2003. لكن الحقيقة أن الغزو كان توجها للحزبين الجمهوري والديمقراطي BIPARTISAN، ودفعه بوش بقوة للتنفيذ، وأيده أكثر من نصف الأعضاء الديمقراطيين بمجلس الشيوخ، وكانت هيلاري كلينتون من مؤيدي غزو العراق.
إن استراتيجية السياسة الخارجية الأميركية لها واجهة يمثلها بصفة رسمية، البيت الأبيض، ووزارتا الخارجية والدفاع، لكن تبقى في خلفية المشهد العديد من المؤسسات– اقتصادية، ومخابراتية، وعلمية، وثقافية، وتراثية، وهي الأمينة على الوضعية الفريدة لـ «مركز الإلهام» القابع في الخلف، والذي هو المرشد، والملهم، للرئيس، وللدولة، في اختيار توجهات السياسة الخارجية. بالطبع قد تحدث اختلافات تكتيكية، في أداء الرؤساء، لكنها كلها متصلة بخيط في يد أيديولوجية مركز الإلهام، بحيث تتحرك في المدى المسموح به، من المؤسسة.

بقلم : عاطف الغمري
copy short url   نسخ
23/12/2016
4315