+ A
A -
تعددت الأسباب وسقطت حلب. سقوط المدينة هو الإعلان عن نهاية سوريا القديمة، معارضةً وحكومةً ونظاما وشعبا ودولةً، بمقدار ما هو نهاية الحلول السياسية، فسوريا اليوم هي ركام من الأنقاض تنتظر من يزيلها كلها، سوريا نظام الحزب الواحد، سوريا الحرب والتدخلات الدول الأجنبية، سوريا إرهاب الدولة وإرهاب التطرف الديني.
سقوط حلب لا يعني استعادة النظام السيطرة على سوريا، وفرض هيبته على السوريين. فبإصراره على الغلبة العسكرية قطع على نفسه أي طريقٍ للتصالح مع الشعب الذي قوّض شروط وجوده. وبمقدار ما حكم على نفسه بالبقاء في أسر الافرقاء الخارجيين الذين مكنوه من الانتصار، سيفقد بموازاة ترسيخ هذه القوى قواعد سيطرتها، مبرّر بقائه ويتحول إلى ورقة في سوق البازار السياسي الدولي الكبير. فلا يمكن لحاكمٍ أن يربح ضد شعبه الذي يفترض أن يستمد منه القوة والشرعية، وإذا حصل فسيكون ثمن ربحه أعلى من الخسارة، ونتيجته تسليم مفتاح حكمه لغيره. فالانتصار في معركة مهما كانت أهميّتها لا يعني القدرة على إدارة السلام، فنهاية «حرب بالوكالة» ستجلب أيضاً «سلاماً بالوكالة» و«حكما بالوكالة».
جاهل من يعتقد أن التهرب من الاستجابة لتطلعات السوريين السياسية والإنسانية، والرد عليها بالعنف، يمكن ان يساهم في إيجاد الحل للأزمة المستمرة منذ عقود. والسياسة التي أوصلت البلاد إلى أكبر كارثة إنسانية هي نفسها التي دفعت إلى الارتماء على الأجنبي، وعمقت التدخلات الخارجية بطلب من الأطراف السورية، وقادت إلى تغيير طبيعة سوريا ومجتمعها معاً، وفككت النسيج الموحد للشعب الواحد، وهي تهدد اليوم بالتحول إلى حرب إبادةٍ متبادلةٍ على مستوى الاقليم برمته.
لا يمكن لأي حكم أو نظام أو سلطة أن يستقر وينجح في امتصاص النتائج المدمرة لهذه الحرب الطويلة والظالمة والمدمرة للدولة والمجتمع، بالاستمرار في إنكار حقيقة الاسباب التي أوصلت سوريا إلى ما وصلت اليه في هذه اللحظة. ومن دون الاجابة الواضحة على المطالب الاساسية للناس السياسية منها والأخلاقية والقانونية المتعلقة بالعدالة فإن ما حصل في الامس يمكن أن يتكرر غدا بشكل أشد سوءا واكثر انفجارا.
قد يتصور مهندسو الحرب الروس والإيرانيون ان سقوط حلب أو اسقاطها سيؤدي إلى تعزيز سيطرتهما المشتركة في سوريا وتاليا قد يقضي إلى صيغة حكم يتطلعون اليها. لكن على العكس من ذلك يشي «الانتصار» الذي تحقق على يد مليشيات طائفية ومذهبية، بانطلاق مرحلةٍ جديدة من الحروب والصراعات والفوضى التي لن تقتصر على القوى المتصارعة اليوم وحدها. فأي حل سياسي لن يكون أبدا بتغييب السوريين واغتيالهم السياسي وتشريد الجزء الأكبر منهم في الصحارى وأصقاع الارض. باختصار. لا يمكن للسياسة التي قادت إلى تفجير هذه الكارثة إلإنسانية وجعلت من احتجاجات شعبية عادية حرباً عالمية، أن تكون هي ذاتها الأساس لإعادة بناء سوريا الواحدة والحرة والمستقرة والمستقلة. وسيكتشف «رعاة النصر» في مستقبل قريب أن إسقاط حلب كان نصراً فارغاً ربما أسوأ بكثير في مآلاته من الهزيمة. أما حلب المدينة والناس والتاريخ، فهي لن تموت، على رغم أنّ حلبيّين أبرياء كُثُرا سقطوا ضحايا هذه الحرب العبثيّة. حلب ستعرف كيف تضمّد جروحها. لقد انتفضت قبلها بعدما اجتاحها هولاكو. وانتفضت أيضاً في القرن التاسع العشر بعد تلاعب القوى الاستعماريّة بنسيجها الشعبي. وستنتفض غداً وتعيد حضور هويّتها البارزة، لا على مستوى سوريا وحدها بل أيضاً على مستوى المنطقة.
بقلم: أمين قمورية
copy short url   نسخ
21/12/2016
4368