+ A
A -
من حق بشار الأسد أن يحتفل بـ«النصر» في حلب وأن يعتبر أن «ما بعد حلب ليس كما قبلها»، ويحلم باستعادة السيطرة على كل الأراضي السورية. لا شك أن تدمير حلب واستعادتها على أيدي ميليشيات حماته الإيرانيين وبتغطية جوية روسية تعتبر تحولاً مهماً في مسار الحرب. وهي نتاج ثلاثة تحولات سبقتها، أولها عندما تراجع باراك أوباما في صيف 2013 عن ضرب آلة حرب النظام إثر استعماله السلاح الكيماوي ضد المدنيين في الغوطة.
وثانيها صعود «الدولة الإسلامية» بقوة عام 2014، وثالثها التدخل الروسي في سبتمبر 2015. وخلال هذه المحطات كان الأسد مراقبا أكثر منه فاعلا، ولكنه اليوم يقطف النتائج.
بعد حلب يشعر الأسد إذن أنه «الملك المتوج» على عرشه الذي لا يمكن لأحد إزاحته، إلا أنه ملك كرتوني، عار، براغي كرسيه هي إيرانية وروسية. إن دوره يكمن فقط في أن يبقى الرمز-الأداة لسلطة يتنازع عليها الإيرانيون والروس وأجهزة الاستخبارات الشديدة النفوذ، والميليشيات على مختلف أنواعها، التي لكل منها مصالحه المتضاربة أحيانا بين بعضها البعض...
إن حلب هي ثاني أهم مدينة سورية و(كانت) الأهم اقتصاديا وتجاريا وجيوبوليتيكيا، ونموذجا للتعايش والتنوع الطائفي، ولكنها ليست كل سوريا. حتى إن ميليشيات حلفاء الأسد لا تسيطر بعد على كل حلب. وهو يسيطر على جزء من الأراضي السورية، وهناك جزء تسيطر عليه المعارضة، وآخر يسيطر عليه الأكراد، وثالث تحت سيطرة الأتراك، ورابع في قبضة «داعش». كما أن قرار استعادة السيطرة على كل هذه الأجزاء والقدرة على التنفيذ هي في يد الروس والإيرانيين. ويبدو أنهم غير مهتمين بأكثر من قيام «سوريا المفيدة». «مملكة» بشار تحولت عمليا إلى شبه أنقاض، وعرابوه غير مستعدين لدفع تكاليف إعادة الإعمار، وبالأخص إذا كان ربيبهم غير قادر حتى على حماية ما يتم استعادته، مثلما حصل في مدينة تدمر التي سقطت مجددا في أيدي «تنظيم داعش».
إن هذا «الأسد» الذي لا يخجل من «الاحتفال بالنصر» على أجساد مئات وآلاف من شعبه في مجزرة حلب، يتجاهل أن أكثرية الشعب السوري ترفضه، ونصف شعبه أصبح لاجئا أو نازحا بين الداخل والخارج. إنه يقف وحيدا يزهو بـ«النصر»، فعلاقته بموسكو وطهران هي علاقة التابع، ولا علاقة له بالغرب، الذي لا يسعى لإسقاطه ولكنه لا يقيم له أي اعتبار.
وقد طالبته واشنطن وباريس ولندن مؤخرا بالرحيل رغم «انتصاره» في حلب. طبعا، هو يراهن ربما على الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب الذي أعلن فور انتخابه أن أولويته هي «داعش» وليس الأسد، والمرشح الرئاسي الفرنسي فرانسوا فيون صاحب الحظ الأوفر الذي صرح بأن الأسد ممكن أن يبقى... غير أن ترامب إقترح إقامة «مناطق آمنة» للنازحين في داخل سوريا يتطلب إنشاءها فرض حظر جوي فوق الأراضي السورية. فهل يقبل الأسد بأن «تنتهك» سيادة الدولة السورية!
سيادة ممزقة، دولة مفلسة، أراضٍ مقطعة مشلعة، وشعب مقسم. لكن «الأسد-الملك» يهزأ، غير مبالٍ، ويتغذى من الفوضى التي شكلت وسيلته الفضلى منذ اندلاع الانتفاضة ضد نظامه، محاولا في الوقت عينه إظهار نفسه بمظهر الضحية.
لم يربح الأسد الحرب، غير أنه لم يعد بإمكانه أن «يخسرها». لقد ضحى ببلده ودمرها واستجلب كل الجيوش والميليشيات إليها من أجل المحافظة فقط على سلطته. بإمكانه أن يوهم نفسه أنه المنتصر، ولكن سوريا هي التي خسرت. صحيح أنه مازال على كرسيه، ولكن سوريا لم تعد موجودة. إن سقوط حلب هو واحدة من المعارك التي ربحها النظام وحماته، لكنه لم يربح الحرب. وهي مع الأسف طويلة طويلة!
بقلم:سعد كيوان
copy short url   نسخ
20/12/2016
4155