+ A
A -
ثمة مآس حقيقة تحدث في حياتنا المعتادة، مآس صغيرة جداً، ولكن لأن الحياة تبدو لبعضنا رتيبة، فتصبح أقل الأشياء وأبسطها، تحمل حياة بأكملها بالنسبة لهم، كأن تقطع تذكرة لمشاهدة فيلم في السينما، وتخرج وأنت تشتم الوقت الذي أضعته في فيلم لم يكن يستحق كل هذا العناء، وأحياناً تصبح الدنيا مثل حبة خردل، حينما لا تجد موقفاً لسيارتك، وتضيع دقائق طويلة من وقتك وأنت «مبرطم»، بسبب سوء الحظ الذي يعاندك في عدم وجود موقف، وامتلاء المكان بالعديد من السيارات، فيما أنك لا تزال تتجول بسيارتك في محاولة لخروج أحدهم لتأخذ مكانه.

المواقف البسيطة التي نمر فيها وتسبب لنا القلق والضجر لا يمكن أن تحصى، لذا، فأنت أحياناً تستغرب من تفاهة البعض حينما يبدأون في التعليق على أي شهير عبر قنوات التواصل الاجتماعي، حينما يشمرون سواعدهم في الافتاء في مظهره وسلوكه، ويبدأ القذف دون رحمة، وما يقوم به هؤلاء هو نتيجة لرتابة الحياة التي اتخذت مظهراً بات يحتم على الآخرين البحث عن كل ما هو جديد ومثير، فلا تعجب حينما تجد العديد من المتابعين يشعرون بالسعادة الكبرى، ما أن يبدأ عراك بين أحد الفنانين وعلى الأغلب الفنانات، السعادة تأتي بأن هناك مسرحية جديدة مجانية، يتسنى للمتابعين مطالعة تفاصيلها والتدخل فيها أيضاً، وإعطاء آرائهم التي تميل إلى السخف، ومناصرة فنان على آخر، في النهاية الهدف الحقيقي للمتابعين هو ما يمكن لنا أن نسميه باللصوصية، وهي عبارة تطلق على هؤلاء الذين يستمتعون بمشاهدة كواليس حياة الآخرين، والتمتع بكل المشاكل التي تحدث لهم، ولهذا حقق برنامج «السناب شات» متابعة منقطعة النظير، والسبب رغبة الكثيرين في التلصص على حياوات الآخرين، والتعرف على مختلف تفاصيل ما يحدث لهم.

وفي فرنسا حينما بدأت في طرح برامج الواقع في بداية الألفية الثانية، وكان أول برامجها الذي قدمته للجمهور «ستار أكاديمي»، والذي تم اقتباسه لاحقاً لصالح إحدى القنوات اللبنانية، وحقق شهرة واسعة منقطعة النظير في الوطن العربي، وتساءل البعض لماذا جُن الناس في فرنسا ببرامج الواقع؟ وكتب أحد المثقفين أن المجتمع الفرنسي مجتمع يميل إلى اللصوصية، ويعشق معرفة ما يدور خلف جدران بيوت جيرانه، ولأن الأمر من الصعب الوصول إليه، مما فيه تعد وهتك لخصوصية الآخرين، فقد جاءت مثل هذه البرامج لتغذي الرغبات المرضية لدى بعض أفراد المجتمع الفرنسي.

من وجهة نظري الشخصية، حتى يتخلص الكثيرون من اللصوصية، ومن الفراغ الهائل، ومن الغضب الذي يمكن أن يمطر في الداخل، بسبب أمور حياتية عادية، لهذا يجد نفسه يفرغ كل طاقته النفسية والعصبية، في الجدال مع مشاهير التواصل الاجتماعي، هو أن يبحث كل شخص منا عن قيمته الذاتية، عن محاولة التغيير من الداخل، في البحث داخل دهاليز تكوينه العقلي، لأجل أن يصلح ما يمكن إصلاحه بدلاً من النظر عبر الشاشة لمعرفة كيف يعيش الآخرون حياتهم، ومن ثم يلجأ إلى شتمهم والعيب فيما يقومون به!



بقلم : سارة مطر

copy short url   نسخ
20/03/2016
1906