+ A
A -
يحكى ان أحد ملوك فرنسا القدماء كان مغرما بصوت فلاح معدم اعتاد المرور أمام شرفته كل يوم أثناء عودته من الحقل الذي يعمل به. كان غناؤه يطربه ويثير في نفسه الأسى في نفس الوقت. وكان يتساءل: «كيف لهذا المعدم الرث الهيئة ان يكون سعيدا بهذا القدر؟. سعيدا بحيث يغني ويبتسم ولا يعبأ بفخامة القصر الذي يمر أمامه مرتين كل يوم في الذهاب والإياب؟»، أسئلة اعتاد طرحها على وزيره وكلما غاب الفلاح عن عينه. وحين ضجر الوزير من أسئلة الملك وسعادة الفلاح المزعومة، خطرت على باله فكرة جهنمية، فكرة لا تخطر إلا على بال المتملقين والوصوليين.. ومن ثم انتهز الفرصة المناسبة وأشار إلى الملك أثناء مرور الفلاح الاعتيادي بقوله: أعطه المال وسوف ترى يا مولاي! وهنا أشار الملك بأصبعه.. ففهم الوزير وأتى له بصرة صغيرة تحتوي على قطع من الذهب. وانتظر الاثنان حتى اقترب الفلاح وصوته الشجي يسبقه، ناداه الوزير فرفع رأسه لأول مرة. وبهت حين سقطت الصرة الثقيلة بين يديه. ظل مشدوها وهو يتحسسها قبل ان ينحني شاكرا. ويرفع صوته داعيا للملك بطول العمر. في اليوم التالي يستيقظ الملك مبكرا وهو واثق أن الفلاح سيغني بصوت أجمل من السابق ربما طمعا في المزيد من النقود. لكن الفلاح لا يظهر. تتوالى الأيام ولا يظهر. ويصبح اختفاؤه قضية تشغل الملك عن كل شيء آخر. وبعد مرور فترة يبعث الملك رسولا للبحث عنه. ويعلن عن استعداده لإرسال طبيبه الخاص لعلاجه لو وجده مريضا. لقد اشتاق لصوته الشجي. لنبرة السعادة والرضا التي تشيع فرحا خفية في الصدور، وذهب الرسول وعاد ليروي ما حدث.. لقد تغيرت أحوال الفلاح، أصبح لا ينام الليل وينتظر النهار ليخلد فيه للنوم متوسدا الحفرة التي دفن فيها صرة النقود. اختفت النضارة من وجهه واستوطن القلق قلبه. انه يخشى السرقة. ولا يثق بمن حوله. كان خوفه على ضياع مال لم يتعب في جنيه أكبر من فرحته فيه، لقد سرق المال سعادته.. سرق صوته.. كما سرق سعادة الملك بسماع صوته.
بقلم : وداد الكواري
copy short url   نسخ
18/12/2016
3250