+ A
A -
من حلب، الصُّورُ تروي تفاصيلَ المأساة، وتُحدِّدُ بمقياس الرسم عمقَ الكارثة. عشراتُ الصور تناقلتها وكالاتُ الأنباء العالمية ومواقع التواصل الاجتماعي على أجنحة البرق الجريح. كُلُّ صورةٍ تحكي قصةً قصيرةً لمدينة حَكَمَتْ عليها نزواتُ القيادات وأطماعُ الطوائف، وحسابات السياسيِّين، بأن تتحوَّل إلى مدينة أشباح. الموتُ هو الحاضر الأكبر والخراب سيد المشهد والدمار لحق بكل شيء: المباني، والمعاني، وبراءة الأطفال، لا صوت يعلو فوق صوت الفجيعة.
- 2 -
أبلغُ صورةٍ شاهدتُّها لطفلة غريرة لم تُكملْ عشريَّتها الأولى، كانت تركض جزعةً إلى المجهول، وسط عشرات الجثث، وأغلب الموتى حكمت عليهم جغرافيا المكان بهذا المصير.
سكان أبرياء ليست لهم مواقف سياسية في بورصة التعصب، ولا أسلحة نارية في مزادات البيع والشراء.
الوجدان العالمي معطوبٌ ومعلولٌ، لم تعد تُحرِّكه هذه المآسي حتى لو احترقت حلب أو تلاشت الموصل أو غرقت بنغازي في البحر المتوسط!
- 3 -
لم تعد كل المنطقة العربية والإسلامية داخل دائرة الإحساس العالمي، كأنها في كوكب آخر، خارج فضاء الإنسانية العريض.
ربما أَلِفَ العالمُ منطقتَنا العربية على هذا النحو وبتلك الشاكلة، فأصبحت الفواجع والمآسي في نطاق المعتاد، لا تُثير شفقةً ولا تُحرِّك عاطفةً ولا تستدعي دمعة، فالحزن يليق بنا ونليق به.
- 4 -
الجميع كانوا يعلمون أن حلب مشروع كارثة إنسانية، تنتظر ساعة الصفر لتعلن عن نفسها خراباً ودماءً وأشلاءً مُبعثرة.
لم يفعلوا شيئاً حتى لا يحدث ما حدث، ويسقط الفأس على الرأس، ويندلق الزيت على الطاولة.
لم يفعلوا شيئاً، حتى لا تنهار المباني على ساكنيها، والمعاني في ضمائر قواميس حقوق الإنسان ومراجع القوانين الدولية.
لم يفعلوا شيئاً لتجنُّبِ تلك النهاية الدامية. تثاقلت الخطى حينما ارتفع صراخُ الثكالى، وتراخت الأصابع حينما اشتدَّ أنين الأطفال.
نعم، في المقابل تكاثرت التحذيراتُ وتسارعت الإدانات، ولكن دون جدوى؛ فحلب ليست تل أبيب ولا باريس، ودماءُ السوريِّين أرخصُ من زجاجات خمرٍ وضيع في حواري أسفل المدن الأوروبية.
- 5 -
الولايات المتحدة الأميركية لم تُبارحْها حمى الانتخابات ومفاجأة فوز ترامب.
وفرنسا الجمهورية أعلى صوتاً، رغم ارتخاء حبالها الصوتية.
وبريطانيا الملكية تُداوي جراحات انفصالها عن الاتحاد الأوروبي.
والدول العربية لا تترك عادتها القديمة، منقسمة على نفسها، وتمالق بعضها، وكلما ابتسمت حطَّ على شفتيها الذباب!
- 6 -
جميعهم كانوا ينظرون فقط لعقارب سعادتهم، لضبط لحظة الصفر.
والعقارب والثعابين الطائفية على أرض حلب، تخرج من كل الجُحور، تُعِدُّ سمومها لاغتيال هذه المدينة.
الرئيس بوتين لم يكترث للتهديدات، وهو يعلم أن الدول الأوروبية لن تفعل له شيئاً ذا بال، وكلُّ ما تقدر عليه أنها وضعته في قائمة عقوباتها الصادرة بعد الأزمة الأوكرانية واحتلال شبه جزيرة القرم.
بوتين المتهم بالعبث في أوراق الانتخابات الأميركية والتي تعرّض خلالها لأكبر حملة غزل سياسي من ترامب، يعلم يقيناً أن واشنطن لن تتحمس لأي سيناريو يترتب عليه تأزيم العلاقة مع موسكو.
موسكو وهي تسيطر على سماء حلب وتمطر أرضها بالحمم والشواظ، وتستعد لنقل مركز عملياتها لإدلب، تعرف أنها كذلك تسيطر على فضاء مجلس الأمن بقوة الفيتو ومعادلات العالم السري للأشياء.
- أخيراً -
لم تنتهِ المأساة في حلب أمس وقد تبدأ في إدلب غداً.
ولن يجد العالم مساحة للفعل لتغيير المعادلة، فسيختار مرة أخرى أسهل الخيارات.
الإدانة والشجب والإعراب عن الحزن والأسف!

بقلم : ضياء الدين بلال
copy short url   نسخ
18/12/2016
4583