+ A
A -
دائما ما يحرص الإرهابيون على وضع بصمتهم القاتلة نهاية كل عام، ولايميزون بين أهداف مدنية أو أمنية، إنما همهم ضرب الموسم السياحي وإيذاء الآخرين لمجرد الاختلاف معهم. وفي هذا السياق تندرج العملية الإرهابية وسط مدينة إسطنبول قبل أيام، والتي استهدفت منطقة تقسيم الشهيرة وسط المدينة، وتفجير الكاتدرائية في القاهرة الذي استهدف قداسا دينيا.
أعمال خسيسة وجبانة، الهدف منها إضعاف الثقة العامة، وتحطيم اقتصادات الدول، في حالة تركيا، وإشعال الفتنة الطائفية في حالة مصر، وكأن مصر تنقصها المصائب لكي تبلى بالمزيد.
دول أوروبية عديدة أعلنت حالة التأهب الأمني القصوى مع قرب نهاية العام، وما يرافقها في العادة من احتفالات جماهيرية. الشرطة البريطانية تحدثت عن تهديدات وشيكة بوقوع أعمال إرهابية في العاصمة لندن، واتخذت احتياطات استثنائية.
ورغم ما تتخذه الأجهزة الأمنية من إجراءات احترازية، إلا ان «الذئاب المنفردة» والخلايا النائمة، تنجح في كثير من الاماكن من اختراق المنظومة الأمنية وتنفيذ عمليات قاتلة بحق المدنيين.
ومع كل عام يمر، يتنامى نشاط الجماعات الإرهابية، رغم الحرب الكونية على الإرهاب؛ففيما تدك الطائرات الحربية معاقل الإرهابيين في سورية والعراق، وتحاصر مراكزهم الرئيسية، إلا أن قدرتهم على التحرك في ساحات خارجية لم تتراجع على الإطلاق. وإن كان لذلك من معنى، فهو أن آليات التعاون الأمني وتبادل المعلومات بين الدول، لا تسير بالإنسيابية الكافية، وماتزال قاصرة عن مسايرة التحركات السريعة والذكية لأعضاء الجماعات الإرهابية.
ويتبدى هذا الخلل بشكل ملموس في دول الاتحاد الأوروبي التي عانت في الأونة الأخيرة من أعمال إرهابية كبرى. ورغم المحاولات لتحسين قدرات أنظمة الاتحاد في المجال الأمني، إلا ان الشكوى من وجود ثغرات مايزال يمنح الإرهابيين فرصة التواصل وتنسيق العمليات.
ولقد كانت تفجيرات باريس وبروكسل قبل أشهر، مناسبة مؤلمة تذكر بالثمن الباهظ الذي تدفعه الدول، عندما تتهاون في التعامل مع الأشخاص المشتبهين، وتقصر في تبادل المعلومات، في الوقت المناسب.
في منطقتنا، يترابط نشاط الجماعات الإرهابية بالحالة السياسية والأمنية للدول. في تركيا يبدو واضحا أن الحرب التي تشنها أنقرة على الجماعات الإرهابية في الداخل وفي سوريا، تمثل بيئة مناسبة لنشاط الإرهابيين. الوضع أشبه ما يكون بصراع داخل حلبة ملاكمة، يتبادل فيها الطرفان تسديد الحساب جولة مقابل جولة.
وفي ضوء التقدم الذي تحرزه تركيا في حربها ضد الإرهابيين، يحاول هؤلاء الانتقام بعمليات قذرة بحق الأبرياء.
في مصر الوضع مختلف؛ ففي ظل أزمة سياسية مستحكمة، نتج عنها رد فعل أمني عنيف، ومواجهة عسكرية مفتوحة مع الجماعات الإرهابية في سيناء، انتقلت تحت غطاء الفوضى السياسية والأمنية إلى قلب العاصمة والمدن والكبرى. ونبتت جماعات إرهابية جديدة من أبناء المدن ذاتها، وبأسماء مختلفة، لكن بهوية إرهابية واحدة. وتؤكد الأحداث هناك ان الفوز في المعركة، ضد الإرهاب، تتطلب من القاهرة تبني مقاربة سياسية جديدة، لتوحيد الأمة المصرية، وهو ما يتعذر تحقيقه لغاية الآن.
إن اخطر ما تحمله التطورات الأخيرة في منطقتنا، هو أن قوس الإرهاب، يتمدد، ليغدو دائرة تحكم سيطرتها على المنطقة. من ليبيا إلى مصر فاليمن، مرورا بالعراق وسوريا وحتى تركيا، ومن هناك إلى أوروبا كلها.
لم يعد أحد ينعم بالأمان، حتى عندما يكون في دار عبادة أو رحلة سياحية، أو مهرجان احتفالي. لقد أصبحت مثل هذه الأماكن في العالم أقرب ما تكون لثكنات عسكرية، يتحرك البشر داخلها بحذر وقلق، تحسبا من عمل إرهابي، كالذي شهدناه في اسطنبول والقاهرة وباريس.

بقلم : فهد الخيطان
copy short url   نسخ
15/12/2016
4120