+ A
A -
«فتح ديمومة الثورة، والعاصفة شعلة الكفاح المسلح»، شعار كبرت عليه أجيال في فلسطين وخارجها، وكان قدوتهم للنضال من أجل العودة إلى الأرض السليبة، فماذا بقي من الشعار بعد 60 عاما من إطلاقه؟ وأين صارت الثورة والكفاح المسلح في مهب امتهان السلطة؟
الآمال التي علقت على إعادة إحياء هذا الشعار في المؤتمر السابع لحركة «فتح» الذي التأم أخيرا في رام الله لم تكن أصلا كبيرة، فكيف لعليل أن يداوي مريضا.
وهكذا انتهى المؤتمر قبل أن يبدأ، إذ حسمت النتيجة بالضربة القاضية في الجولة الأولى بتجديد البيعة لمحمود عباس رئيسا بالتصفيق وقوفا. ففيما السفينة تغرق في بحر هائج أعيد التفويض للربان من دون رتق الأشرعة الممزقة ومن دون إبدال مجاديف الدفع المحطمة بمجاديف قوية العود تركت للإهمال في المخازن المنسية.
أولى تداعيات المؤتمر تمثلت في هبوط السقف السياسي إلى منحدرٍ جديد. فالخطاب الرئيسي فيه جعل من السلام بندا أولا واستراتيجية وحيدة أمام الشعب الفلسطيني، وحدد الاعتراف بإسرائيل وحقها في الوجود في المقام الثالث. أما حقّ الشعب الفلسطينيّ في المقاومة بأشكالها المختلفة فقد تراجع حتى الفقرة الثانية عشرة، واختُزل بالمقاومة الشعبية السلمية، ووُضع في الفقرة نفسها التي تتحدّث عن المستوطنات، وليس عن الاحتلال.
وتنظيميًا، يمكن القول إن «فتح» في هذا المؤتمر تخلّت عن كونها حركة التحرّر الوطنيّ للشعب الفلسطيني، لتتحوّل إلى حزبٍ أو حركةٍ لتحالف يضم قادة الأجهزة الأمنية والموظفين الكبار في السلطة وبعض رجال الأعمال، لتصير حالها كحال الأنظمة العسكرية العربيّة. وسيُلقي هذا التحالف بظلاله على طبيعة المرحلة المقبلة لحركة فتح والسلطة الفلسطينية، حيث سيكون الهدف الرئيسي هو إدارة العلاقة مع الاحتلال، وليس مقاومته أو إقامة الدولة الفلسطينية، وهو ما سيؤدي إلى سلسلة من المتغيّرات على هذا الصعيد، تتعلق بالنظرة إلى الاحتلال، والاكتفاء بتكوين ما يشبه الإدارة الذاتية ضمن التجمعات السكانية الكبرى، أي أن السلطة المقبلة قد تتّجه نحو التخلص التدريجي من فكرة «حلّ الدولتين»، والقبول بحكم ذاتيّ محدود على السكان، وليس على الأرض.
لحركة «فتح» تاريخٍ مجيدٍ في استنهاض النضال الفلسطيني، لكنها لم تسع إلى استلهامه في تغيير واقعها، وهي بهذا تفقد كل يوم جزءًا أكبر من أبنائها وبناتها، حتى صار عدد الفتحاويين خارج الحركة يفوق عددهم أضعاف أضعاف من هم في داخلها.
وإذا كان المؤتمر حسم مؤقتا الصراع ذا الطابع الشخصي بين عباس ومحمد دحلان الذي على الأرجح لن يسلم بهزيمته وقد يلجأ إلى فكرة تأسيس جسم مواز، فإن الغائب الأكبر عن المشهد، هو التيار المقاوم في الحركة الذي برز في فترة التحضيرات للمؤتمر وفي أثنائه، وضمّ مئات المناضلين الذين أُقصوا في الوطن والشتات، وسينضمّ إليهم عشراتٌ ممّن صُدموا بنتائج المؤتمر. حتمًا لم تتضح بعد معالم هذا الاتجاه، لكنه قد يشكل علامة فارقة مستقبلًا، خصوصًا في ظل الإقصاء الكبير لشريحة واسعة من المناضلين.
لن تُستنسخ حركة «فتح». لكن ستبقى فكرتها، وهي في الأساس أُمّ النضال الفلسطيني وحركة الشعب الفلسطيني، لذا يجب أن تشبه شعبها وتتسع لكل أطيافه. فالفلسطينيون ينتظرون حركة نضالية متجددة ورئيسًا متجدّدًا وقائدًا لثورة وليس خليفة له فقط، وينتظرون أيضا قيادة تتخلى عن امتيازاتها ومصالحها، وتقود حركة تحرّر وطني بخطة وطنية وبرنامج وطني لمواجهة الاحتلال بمقاومة وطنية شاملة، وإلا فمواصلة الغرق في المجهول.
بقلم : أمين قمورية
copy short url   نسخ
14/12/2016
4743