+ A
A -
يخشى الطغاة ومن يعملون معهم ويكبرون معهم على مر العصور التعليم- والمتعلم- والثقافة ككل، ويفضلون بناء السجون على المدارس. وترك أخطر سياسي عرفته فرنسا في تاريخها «رشيليو» وصيته يحذر فيها من التعليم قال فيها:
«إن المعرفة مهمة للدولة ولكن يجب ان لا تلقن لكل امرئ دون تمييز، ان الأمة التي تبيح التعليم لكل فرد من رعاياها تشبه العملاق الذي أوتي عيونا في كل جزء من جسده، اذ لا يلبث الزهو والادعاء ان يتفشيا فيها، بينما تتلاشى الطاعة تقريبا، ثم ان تداول المعرفة دون قيود يمحو تداول السلع التي تدين لها الدول بثرواتها، ويدمر الزراعة وهي الأم الحقيقية المربية للشعوب، ويقضي على مورد الجنود لجيشنا، وهو مورد يستمد فيضه من الجهل والسذاجة لا من قوى الثقافة والعلوم.
ان إباحة التعليم خليق بأن يملأ فرنسا بإنصاف المتعلمين، وبعقول لا تحتوي سوى على القشور، وجماعات قد تفسد الأخلاق الأسرية، وتقضي على الأمن العام، ولن يكونوا قط أداة نفع للبلد، ومع الوقت سيكون لدينا من القادرين على إثارة الشك والظن أكثر مما لدينا من القادرين على تبديد الشك، ومن الأذكياء القادرين على المعارضة أكثر ممن يقدرون على الدفاع عن الحقيقة.
والواقع أنني كلما رأيت العدد الضخم ممن يتخذون التعليم حرفة، وحشود الأطفال الذين يتلقون العلم، أتمثل في خيالي جموعا لا حصر لها من المرضى الضعاف الذين لا يحتاج علاجهم إلى أكثر من تناول الماء القراح والذين يدفعهم العطش المزعوم لشرب كل ما يقدم إليهم وان كان معظمه غير نقي، بل هو في أغلب الأحيان مسموم، ومن ثم يزداد عطشهم كلما شربوا أكثر ويشتد مرضهم.
إن ثمة شرين رئيسين من إنشاء المدارس أولهما عدم توفر المعلمين الأكفاء، وثانيهما أن كثيرا من الأطفال يذهبون اليها قسرا ولإرضاء ذويهم، والنتيجة أنهم جميعا يغادرون مدارسهم دون أن يحصلوا على علم مفيد.والعلاج الذي اقترحه الكاردينال العجوز وهو على فراش الموت لهذه المشكلة العويصة هي الاكتفاء بعدة سنوات دراسية تكفي لتعلم بعض المبادئ التعليمية، مع استثناء من تظهر عليهم بوادر الذكاء الشديد، اذ لا باس من إكمالهم المرحلة الثانوية آنذاك» ونتيجة تطبيق هذه الوصية تخلفت فرنسا وتأخرت الثورة لمدة تزيد عن مائة وخمسين عاما. وأتبع الزعيم الاوحد للصين لفترة طويلة» ماوتسي تونغ» هذه النصيحة بعد ان أجرى عليها بعض التعديلات واطلق عليها لسبب ما لاعلاقة له بالمسمى أو المعنى «الثورة الثقافية الكبرى» اذ اقفل الجامعات واجبر المعلمين والمعلمات وطلاب الثانوية من الجنسين والمثقفين على العمل في الحقول والمصانع، واستحدث مدرسة «7 مايو» التي أثبتت فشلها للجميع عداه، فقد تلفت المحاصيل والسلع وتضرر الاقتصاد من عمل أناس في مجال بعيد عن اختصاصهم، ودفع الفقر المدقع الصين إلى حرب أهلية والى حافة الهاوية.

بقلم : وداد الكواري
copy short url   نسخ
11/12/2016
1342