+ A
A -
مع بداية عام 2017 يتسلم أنطونيو جويتريش مهام منصبه أمينا عاما للأمم المتحدة خلفا لبان كي مون. وكالعادة فإن الأنظار تتجه للقادم الجديد يحدوها الأمل في أن يحقق الرجل أهداف المنظمة الدولية في تحقيق السلم والأمن الدوليين والتنمية المستدامة للعالم أجمع. ولكن الآمال لا يجب أن تنطلق من فراغ، وإنما من وقائع، ولذلك فإن دور الأمين العام الجديد مثل كل الأمناء الثمانية الذين سبقوه مرتبط بما يجمعه من نقاط على صعيد سماته الشخصية وقدراته على القيادة من ناحية، ودرجة تعاون الدول الكبرى معه من ناحية أخرى.
الإشادة بالقادم الجديد إلى المبنى الزجاجي العتيق في نيويورك سواء من سلفه بان كي مون أو من ممثلي الدول الخمس الكبرى في مجلس الأمن ركزت على معيار الكفاءة للمنصب سواء من حيث وجود رؤية أو قدرات مميزة على القيادة الإدارية أو الدبلوماسية أو السياسية، أو الإصلاح والابتكار، فضلا عن المرجعية الأخلاقية والإنسانية. أي أنه باختصار الرجل المناسب في المكان المناسب.
ولكن توافر القدرات في شخصية أنطونيو جويتريش للاضطلاع بقيادة الأمم المتحدة وتميزه من هذه الزاوية قياسا مع كثيرين ممن سبقوه، إلا أن الشق الثاني من المعادلة التي تحكم دور الأمين العام، وهو مدى تعاون الدول الكبرى معه لاشك أنه موضع جدل ومناقشة ولا يبشر بأن مهمة الرجل ستكون سهلة أو أنه سيحدث اختراقا تاريخيا يسجل له في ما يتعلق بتغيير صورة المنظمة الدولية إلى الحالة المنشودة.
هو عمليا رمز المجتمع الدولي وبمقتضى هذه الوضعية يتحرك ويتصرف ليل نهار ضمن أهداف الأمم المتحدة ولتحركاته ومبادراته وزنها وتأثيرها الدولي الذي لا يمكن إغفاله. ولكن للعملة وجهها الآخر المناقض تماما لذلك، فهو أيضا وبنفس الدرجة خادم للعالم أو منفذ لما يتقرر من الأمم المتحدة. هو سكرتير للمجتمع الدولي وهذا الوصف هو المعنى الحقيقي لوظيفته وليس تعبير الأمين العام الذي يوحي دائما بأنه صاحب سلطات تنفيذية تعلو فوق سلطات رؤساء الدول.
ومن جهة أخرى فإن الوضع الدولي الراهن والذي يتسم بالصراع الصريح والمستتر بين الدول الكبرى الخمس في مجلس الأمن وبروز أدوار دول إقليمية عديدة تتحدى الكبار لا يشير إلى أن تعاون الدول الكبرى مع الأمين العام الجديد ممكن. يكفي الإشارة إلى الموقف العدائي الصريح للأمم المتحدة من جانب دونالد ترامب القادم الجديد إلى البيت الأبيض، مع الأخذ في الاعتبار أن الولايات المتحدة هي صاحبة النصيب الأكبر في تمويل ميزانية المنظمة الدولية (22 %). وبافتراض أن ترامب سيحسن علاقات بلاده مع روسيا بما يوحي بأن هذا التحسن سينعكس في تحسن تعاون الكبار داخل مجلس الأمن، إلا أن الأرجح هو اتفاق كل من روسيا والولايات المتحدة على العمل المشترك دوليا خارج نطاق الأمم المتحدة وليس داخلها. ويضاف إلى ذلك أن أوروبا منقسمة على نفسها وعلاقاتها ليست طيبة مع روسيا، وهكذا من الصعب التنبؤ بأن دولا مثل فرنسا وبريطانيا مستعدتان للم شمل القوى الخمس في مجلس الأمن. ما يزيد المشهد صعوبة هو أن الصين لاتزال حذرة ومتوجسة من حالة الوضع الدولي، وكذلك قدرة دول صاعدة على العمل المستقل مثل تركيا وإيران والهند.
لدينا إذن أمين عام جديد للأمم المتحدة تتوافر فيه معايير الكفاءة وبالقطع مفعم بالحماسة والتفاؤل مثل كل من سبقوه، ولدينا إجماع من الدول الكبرى عليه، ولكن بالمقابل لدينا وضع دولي لا يشير إلى رغبة جادة في التعاون معه. وعليه فإنه يواجه مهمة شاقة للغاية، وإذا أراد أن يحقق شخصيته فحتما سيصطدم بالخمس الكبار ووقتها يلقى نفس مصير بطرس بطرس غالي. ولأن التجربة القديمة ليست بعيدة عن ذاكرته ولأن المشهد الراهن ساخن ومكفهر تبقى فرص الرجل محدودة انتظارا لانفراج الوضع الدولي.
copy short url   نسخ
10/12/2016
3762