+ A
A -
إن الكتابة الرخيصة خداع وغش للمؤلف والقارئ، هذا ما آمنت به على الدوام وما يؤمن به كل كاتب يحترم نفسه ويحترم الكلمة المكتوبة ويحترم من يقرؤها، أو من يسمعها، حين تتحول إلى عمل مرئي وتقال على ألسنة الآخرين، ومن هؤلاء الكاتب الأميركي «جون شتانبيك» الذي بعث رواية بوليسية لوكيله ثم عاد وبعث رسالة يطلب فيها منه التوقف عن عرضها لدور النشر قائلا: إنني اشعر بالخجل اذ كتبت شيئا كهذا.. قد يساعدني النشر على دفع ثمن فنجان قهوتي لكن ما كتبته لا يصلح للنشر. وحتى كتابه الشهير الذي خلد اسمه (كروم السخط) أو عناقيد الغضب، عاد وسحبه من الوكيل قبل نشره. وعبر عن السبب في رسالته التالية: إنه كتاب رديء. ولا بد ان أتخلص منه، وترجع رداءته إلى انه ليس أمينا. حقيقة ان الوقائع التي تضمنها حدثت كلها، ولكنني لم أورد الحقيقة بقدر ما أعرف.. لقد وضعت حتى الآن ثلاثة كتب غير أمينة. كتب لم ابذل فيها قصارى جهدي.. أحد هذه الكتب لم أرسله لأنني أحرقته بعد انتهائي منه. ولقد انسقت لكتابة الأول والثاني لوقوعي في ضائقة مالية شديدة، لكنني لا أحب الكتب التي كتبتها دون حب. لسوف يأتي ضرر من طبع مثل هذه الكتب يفوق الضرر الذي نجم عن إعدامها.. أنا لم اشعر قط أثناء كتابة هذا الكتاب بتلك المتعة الدافئة العجيبة التي تعتري المرء عندما يكون راضيا عن عمله. لقد كان حافزي منذ البداية هو حمل الناس على ان يفهم كل منهم الآخر.. فإذا بي اكتشف بعد انتهائه انه يحمل الناس على كره كل منهم الآخر! وعكف «شتاينبك» على كتابة الكتاب من جديد بعد أن عاش فترة أطول بين المعوزين والمشردين القابعين في جبال كاليفورنيا. لم يتعجل النجاح ولا الثروة بل ضرب أروع الأمثلة للمؤلفين الذين يقفون حائرين بين المادة والأمانة الأدبية، فيقول: إنني أكافح الفقر سنوات طويلة عديدة.. ولكنني أكون ملعونا اذا تنازلت عن مستواي عند أول هبة من رياح النجاح. ان الهبوط عن المستوى شبيه بالإقدام على السرقة للمرة الأولى، فهو عسير محفوف بالمشقة، ولكنه في المرة الثانية يكون أقل عناء، ثم لا يلبث ان يغدو سهلا بعد قليل، ولهذا تعج رفوف المكتبات بكل انواع اللصوص.
بقلم : وداد الكواري
copy short url   نسخ
07/12/2016
1287