+ A
A -
تحت هذا العنوان حضرت عرضاً لبحث علمي في منتدى دراسات الخليج والجزيرة العربية الذي استضافه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات منذ أيام. الباحثة القطرية الشابة (لولوه الخاطر) والتي تدرس في برنامج الدكتوراه في جامعة أكسفورد قدمت عرضا علميا جريئا وبالأرقام لما تقوم به الشركات الاستشارية العالمية والمعروفة في دول الخليج من دور غير خافٍ وغير قليل في عملية صنع السياسات العامة سواء الاقتصادية أو التعليمية أو حتى الصحية في بلدان الخليج.
بينت الباحثة أن حجم الإنفاق المعلن على هذه الشركات في عام 2012 تراوح بين 63 مليون دولار في البحرين إلى 792 مليونا في المملكة العربية السعودية، بينما كان نصيب الإمارات 553 وقطر 232 والكويت 147 وسلطنة عمان 77 مليون دولار. وتعتبر هذه الأرقام على الجانب المتحفظ لأن شركات الاستشارات الصغيرة والتي تعمل في السوق المحلى لا تدخل ضمنها كما أن هناك الكثير من العقود بين الدول وهذه الشركات يدخل في نطاق السرية ولا يتم التصريح به.
ومن معرفتي -خلال عملي بالخارج -بكيفية عمل هذه الشركات، لم أستغرب على الإطلاق مما أوردته الباحثة من حقائق ومنها التقارب القوى بين هياكل السلطة وهذه الشركات العالمية. إذا حدثت أي مشكلة أو ضائقة أو حتى ظاهرة اجتماعية جديدة، فلمن تلجأ الحكومات لتقديم النصح والمشورة لها؟ الإجابة هي: الشركات العالمية. والسبب يرجع إلى أن معظم وزراء هذه الحكومات كما يحدث في السعودية الآن يتم تغييرهم لصالح رجال الأعمال الحاصلين على درجات علمية متقدمة (من دكتوراه أو مثيلاتها)، هؤلاء يعتبرون أن استقدام هذه الشركات هو أمر صحي ويتفق تماماً مع المنطق الحديث في التعامل مع الأمور بعلمية وموضوعية. فهذه الشركات تقوم بالدراسة أولا ثم تقديم النصيحة أو المشورة الغير متحيزة.
أيضا هناك التوجه العالمي نحو إدارة القطاع العام بمنطق وفلسفة القطاع الخص وما يعتبرونه نقل تجربه نجاح القطاع الخاص إلى إدارة القطاع العام. وهذا ما كتبت عنه من قبل عن خصخصة السلع والخدمات العامة ومخاطر ذلك على الصالح العام.
وفوق ذلك فإن من يديرون هذه الشركات الاستشارية بصفة عامة هم أناس لهم وزن وثقل سياسي كما في حالة ( تونى بلير) رئيس وزراء بريطانيا الأسبق وشركاته التي انتشرت في الخليج.
أخيرا ما أوردته الباحثة وكان بمثابة صدمة للحضور حيث أن نتائج دراسة تمت في أميركا أثبتت أن 5 % فقط من هذه الشركات تنجح في معالجة الأمور التي تم استقطابها من أجلها بينما تفشل 70% من الشركات ويظل حوالي 25% في عداد حالات النجاح الجزئي.
ويمكنني ان اضيف لما أوردته الباحثة أن معظم هذه الشركات الاستشارية العالمية التي تعمل في المنطقة تقوم بتوظيف الخريجين الجدد من الجامعات المرموقة والذين عادة يكونوا من أصل عربي حتى يتمكنوا من البحث والقراءة في الوثائق المحلية. ولكن غالبا ما يكون هؤلاء قليلي الخبرة ويحاولون تطبيق الأسس النظرية دون ما مراعاة للعوامل الثقافية أو الاجتماعية التي غالبا ما تتعارض مع التطبيق وهذا يفسر أسباب الفشل المتكرر.
الغريب في الأمر أنه حينما يفشل مشروع ما بسبب الشركات الاستشارية تقوم الحكومة المعنية باستقطاب شركة استشارية أخرى (وأحيانا نفس الشركة) لإصلاح ما أفسدته الأولى.
ومن ثم لابد ان تكون هناك وقفة ومراجعة جادة لموضوع استخدام الشركات الاستشارية وتقييم أعمالها باستخدام أساليب تحاليل التكاليف والمنافع الاجتماعية وتغليب بيوت الخبرة والمؤسسات الوطنية والقادرة على القيام بنفس الأعمال على التمسك ببيوت الخبرة العالمية التي ثبت عدم مقدرتها بحكم تكوينها وسعيها نحو الربح على الوفاء بالاحتياجات المحلية وتحقيق الأهداف الوطنية.
بقلم : حسن يوسف علي
copy short url   نسخ
07/12/2016
4262