+ A
A -
حظ الشعب السوري مع «أصدقائه» والمجتمع الدولي أشبه بحظ إبليس في الجنة، فبعد سنوات عجاف دمرت سوريا، تبدو الشرعية الدولية أشبه بحطام في مدينة حلب، فكما تتساقط الآن الأحياء الشرقية من تلك المدينة اليتيمة، تساقطت الوعود الأممية بمد يد العون للمنكوبين، كما تساقطت المبادرات وتساقط مبعوثو الأمم المتحدة إلى سوريا الواحد تلو الآخر: كوفي أنان، والأخضر الإبراهيمي، وستافان دي ميستورا الذي تردد أنه وضع استقالته في تصرف بان كي مون رغم نفيه ذلك. فهل من أمل في ان يرد مجلس الأمن ودوله الخمس الكبرى الروح إلى المدينة الشهيدة التي تواجه المصير ذاته الذي واجهته من قبل اخواتها القصير والزبداني وداريا وحمص وحماة؟ وهل ينتظر السوريون رجاء من مجتمع دولي لم يظهر أمام الأزمة السورية سوى العجز أو التآمر؟
كشفت الحرب، بل الحروب السورية، المستمرة منذ ست سنوات، عن الأزمة العميقة التي تهز النظام العالمي المضطرب بالصراع بين المهيمنين عليه، والراغبين في تعديله والذي أثبت عجزه عن استيعاب التحولات الكبيرة الجارية في توزيع القوة وتطور المصالح والمساعدة على كشف التناقضات الوليدة وإيجاد الحلول الملائمة لها، لا بل عمل على طمسها، والتغطية على حقيقتها، مع السعي إلى تفريغ بعضها في حروبٍ جانبية، أو موازية، يمكن السيطرة عليها والإفادة منها لتخفيف الضغوط عن النظام وتثبيته ودعمه. ومن بين هذه الحروب الحروب الكثيرة في اقليمنا، وآخرها الحرب السورية التي تكاد تتحول إلى فوهة بركان دائم الاشتعال. لكن الحرب السورية التي تكثفت فيها وتقاطعت حروب عدة، إقليمية ودينية وقومية ومذهبية وعالمية، لم تكشف اختلالات النظام العالمي فحسب، ولكنها لعبت، ولا تزال، دورا كبيرا في تعميقها وتفجير تناقضاته. ولعل مخاض الشرق الأوسط الذي يشهد أفظع نموذجٍ للاستهتار بمصير الشعوب وانتهاك مواردها الطبيعية والبشرية، ومن تهميشها واحتقار نخبها ومستقبل أجيالها.
علة المعارضة السورية كانت في استسلامها لإرادة «دول صديقة» في هذا النظام العالمي وانتظار دعمها وتعويلها على مسلّمة خاطئة ومضلّلة، مفادها بأن واشنطن وحلفاءها، لن يسمحوا بسقوط حلب، أو أن «حلب خط أحمر». ورغم كل الانتكاسات المتلاحقة والتي تمخض عنها خسائر واضحة وكبيرة لا بل إلى انهيارات كارثية في حلب وقبل حلب، لم تراجع قيادتها السياسية التجربة بما لها وما عليها، بل واصلت نهج الاتكاء على موقف من الغير يبدل معادلة القوة والتوازن المائلة لغير مصلحتها بدل الاتكاء على وحدة برنامجها السياسي والخزان الكبير من التضحيات الذي قدمه شعبها وفرضهما في معادلة القوة والتوازن.
وبين تعويل المعارضين على المجتمع الدولي وارتهان بعضهم إلى الخارج، تغلب التراخي على الارادة، والتفرقة على التماسك، وفقد المشروع الوطني وطنيته وصدقيته، وحرف لصالح الدول «الصديقة»، أو لصالح الكيانات المتطرّفة، والطائفية. وفي المحصلة، أدّى هذا وذاك إلى خفوت أصوات المطالبين بالمشروع الوطني الواحد، لصالح جماعاتٍ فوضويةٍ متطرفةٍ وتكفيريةٍ، استغلت الفوضى والخراب والعنف الذي أنتجه النظام السوري لوأد ثورة السوريين أو تشويهها أو زعزعة وحدتها. وهكذا تتالت النكبات وصارت النكسة الميدانية تجر الاخرى.
حكاية حلب، تراجيديا جديدة يتحمل تبعاتها ليس فقط التآمر الدولي بل ايضا القوى السورية الحاملة لمشروع التغيير الوطني والتي قصرت في أداء مهمتها وإدراك مكامن القوة لدى شعبها.
بقلم: أمين قمورية
copy short url   نسخ
07/12/2016
4132