+ A
A -
تعتبر تـفجيرات بروكسل أحدث العمليات التي تـثبت انـتـشار عدوى الإرهاب الأعمى واحتمالية خروجه عن السيطرة خاصة عندما تكون حملات الحرب على الإرهاب عوراء أو عمياء هي الأخرى! هذه التـفجيرات وغيرها التي تضرب في أوروبا وأفريقيا وأسيا وغيرها ليست منـقطعة عما يحدث في الشرق الأوسط خاصة سوريا والعراق وذلك يثبت أن العالم أصبح قرية صغيرة ويثبت كذلك أن ما يحدث في بـيوت السوريين والعراقيين ينـتقل بسهولة عبر الحدود إلى بـيوت الأوروبيين ومطاراتهم وفنادقهم ومسارحهم وحتى الأزقة الجانبـية!

هناك ثمة أحداث متـتابعة تـثبت لكل ذي عقل أن الأزمة السورية، وبدرجة أقل الأزمة العراقية، تـتحول تدريجيا إلى أزمة عالمية (ساحبة) بمعنى أنها تسحب أطراف عديدة للتدخل وتسحب العالم كله إلى حالة حرب إقليمية أو كونية لا تبقي ولا تذر! روسيا انسحبت وأميركا تدعي الابتعاد وأوروبا تـناور من بعيد وإيران تـتمسكن وتركيا تهتز وتنظيم الدولة يضرب هنا وهناك فتٌخلق كل المؤشرات التي تدل على إن الأزمة السورية أضحت أزمة عالمية بامتياز!

وليست هذه هي المشكلة! بل المشكلة أن العالم نفسه يتعامل مع الأزمة بازدواجية قاتلة تصب دائما المزيد من الزيت الساخن على نار ملتهبة توقدها الأحقاد الطائفية والثارات التاريخية! في الجانب السياسي والاقتصادي والإنساني، يشيح العالم بوجهه عن الأزمة السورية ويظهر كأنه لا يريد أن يقدم حلولا سياسية أو اقتصادية أو إنسانية للناس فتمتد النار إلى الدار الأوروبية والأميركية وغيرها ولا أحد يريد أن يفهم!! أكبر ازدواجية في الأزمة السورية أو العراقية يلاحظها المراقب بسهولة في موضوع الحرب على الإرهاب (كما يقال)! اقتصرت جهود الحرب على الإرهاب على مواجهة تنظيم الدولة وجماعات أخرى محدودة جدا مثل جبهة النصرة وغيرها، لكنها أي جهود الحرب على الإرهاب تغافلت أو تـتغافل عمدا عن جماعات وجهات وأحزاب ودول وأنظمة تمارس الإرهاب عيانا بيانا!

الإرهاب الأعمى الذي انـتـشر في العالم اليوم كانـتـشار النار في الهشيم ليس سوى رجع الصدى للإرهاب الأعمى الذي يضرب الناس الآمنين في بيوتهم بالبراميل المتفجرة والصواريخ العشوائية في مدن سوريا المحاصرة ومدن العراق كذلك! صورة واحدة من صور المعتقلين الذين رموا في ساحات السجون السورية مكتفين مجوعين حتى الموت يفـترض أنها تحرك الضمير العالمي لتوجيه بوصلة الحرب على الإرهاب إلى مصدره المؤكد! نقول صورة واحدة وليس إحدى عشر ألف صورة وبالألوان!

قٌـتل الناس في مدن سوريا والعراق عشوائيا وعلى الهوية وعانوا من التـنظيف الطائفي والحصار القاتل والترويع الممنهج ومع ذلك مازال العالم المتحضر يتحدث في جنيف ? وجنيف ? وفيينا 1 وفيينا ? عن المرحلة الانـتقالية ومصير الأسد!؟ فعلا إنها مسرحية هزلية يخرجها مخرج مكتـئب عندما يكون «مصدر الإرهاب» الذي يدعي العالم محاربته جالسا معهم على إحدى طاولات التـفاوض والنـقاش في الغرف المكيفة! عملية الحرب على الإرهاب خرجت عوراء واستمرت عوراء حتى أصبحت عمياء وليس في أخر نفقها ثمة ضوء!

من ناحية أخرى، يستطيع المراقب أن يلاحظ بسهولة متـناهية العوار في جهود الحرب على الإرهاب ليس من حيث الازدواجية فحسب بل من حيث تـشجيع مشاركة جماعات وأحزاب إرهابية في الحرب على الإرهاب! من يضحك هنا يضحك على مسرحية هزلية ثانية يخرجها مخرج مكتـئب أخر، وهم كثر! فعلا هي مهزلة عالمية عندما تؤسس الدول العظمى التي تدعي محاربة الإرهاب لدعم ومشاركة جماعات إرهابية أو مصنفة إرهابية في الحرب على الإرهاب! هذا ليس خيالا علميا بل هو أمر يحدث على مدار الساعة مع الحشد الكردي المتمثل في حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب الكردي وغيرها!! فعلا العالم أصبح قرية صغيرة حتى في الإرهاب والحرب على الإرهاب! نأتي إلى أوروبا التي اكتوت بأثار الإرهاب الأعمى الذي يقـتل الناس الأبرياء في سوريا والعراق والتي عانت من الترددات الاهتزازية لهذا الإرهاب على شكل تفجيرات وأحزمة ناسفة وقتل عشوائي ومشاكل اللاجئين المتدفقين من الشرق الأوسط وأفريقيا ومشاكل الأوروبيين في مناطق القتال والأوروبيين العائدين من العراق وسوريا الخ! عجبا، كل هذه المشاكل لم تجعل أوروبا تعرف الحل! رغم ما تملكه أوروبا من عقول ومخططين ومراكز رصد وأبحاث واستخبارات ومعلومات ومراكز تحليل استراتيجي عجزت عن معرفة أن الأسد هو «مسمار» الأزمة العالمية ومطرقتها! أم أنهم

لا يريدون الحل!؟

د. صنهات بن بدر العتيـبي
copy short url   نسخ
29/03/2016
2097