+ A
A -
هناك من يحاول أن يـبـيع علينا فكرة «الحرية الإعلامية» في الغرب والأمر ليس كذلك! الحرية مفهوم «نسبي» وأية محاولات إعلامية تـتعارض مع الطرح النمطي للسلطة في أية دولة غربـية بـ(الغين) وليست عربـية، محكوم عليها بالموت سلفا؟! فـنـقول للبـياع: بضاعتك مزجاة، ألم تسمع بسياسات ماكارثي؟ ألم يمر علي ذاكرتك كتاب بول فـندلي «من يجرؤ على الكلام»؟ ألا ترى إن الشعب في الغرب مثل الشعب في الشرق إذا انساق أو سيق خلف رؤية إعلامية أو مسألة تاريخية أو موقف معين يستحيل أن يغير ذلك أو يتـقبل غيره! إعلام الغرب (وسيط مادي) ولا يخـتلف كثيرا عن إعلام العالم الثالث فكلها غسيل ونـشر ومواقف للبـيع؟!
في الكتاب الشهير «أسطورة حرية الصحافة» تم استعراض تجارب عدد كبير من أبرز الصحفيين الأميركيين حيث رفعت الغطاء عن حقيقة صادمة توضح كيف تـقود وسائل الإعلام الأميركية حملات شعواء من (غسيل المخ) لتغيير مواقف الرأي العام بما يوافق توجهات السياسيين في البـيت الأبـيض! لقد تحول الإعلام الأميركي إلى أداة في يد السلطة لتـشويه الحقائق وشيطنة الأعداء وربما الأصدقاء أحيانا! وذلك لخدمة المواقف المتعنـتة للسياسيين وشركاتهم ولتـذهب مبادئ حرية التعبـير وحرية الصحافة إلى الجحيم!
الحقيقة تـقول إن الإعلام في الغرب انـتـقل من التمسك بحرية التعبـير كقيمة لا تـقدر بثمن إلى التمسك بالمكسب المادي والأرباح كقيمة تـقدر بثمن (لمن يدفع أكثر)! كما انـتـقل سريعا من الفخر بمفهوم «السلطة الرابعة» التي تملك القوة والسلطة المعنوية إلى الغرق في مفهوم «القوة الناعمة» التي تخدم السلطة والسياسيين ورجال الأعمال والشركات العملاقة وهاليبيرتون! ولا تـخدم الجماهير بل تـشوه مواقفهم وقد تصنعها وتعيد انـتاجها بشكل مخـتلف! لقد طغت صناعة العلاقات العامة على صناعة الحقيقة! من أجل هذا تٌـصنع بل تُـفبرك الكثير من المواقف والقرارات السياسية في كواليس برامج التوك شوز الجماهيرية! وقد تـتدخل الحرفية السينمائية لتوجيه الرأي العام نحو مسارات معينة يرقبها السياسي عن بعد! وبذكر السينما فقد لعب تـنظيم الدولة على هذا الوتر الحساس كثيرا فكانت المقاومة الإعلامية في الغرب سريعة ومشددة!
قوة الخبرة وقوة التـقـنية في الغرب وضعت بين يدي المؤسسات الإعلامية أحدث الأساليب المعلوماتية وأكثرها دهاء لممارسة النـشر والحجب والتـشويه والشيطنة لغرض تحقيق أهداف سياسية معلنة أو متوارية خلف الابتسامات والفلاشات! والملاحظ أن (قوة الهدف) كان لها دور بارز في السيطرة على الإعلام في دول الغرب كافة إلى درجة أنه أصبح من المحرمات استعراض أو تصوير القـتل وانـتهاكات حقوق الإنسان المغلوب في سوريا والعراق وذلك في جميع وسائل الإعلام الغربي وليس الأميركي فحسب! لذلك كانت صور الطفلين إيلان وعمران صادمة للعقل الغربي ولكن الصدمة تلاشت لأن الزخم لم يكن موجودا!
لو تحدثـنا عن الغرب وإعلام الغرب ودوره في «تـنميط المواقف» وإعادة تركيب العقول لتُـشكل «عجـينة واحدة» فإن المثال الأبرز لهذا العملية الإعلامية سيكون في مراجعة مواقفهم (كلهم سلطة وإعلاما وشعوبا) من الحرب على الإرهاب ذلك المصطلح الفضفاض بدون حتى تعريف الإرهاب أو قياسه أو تحديده بإطار معين! هكذا هي «الحرب على الإرهاب» حرب على عدو هلامي مثلها مثل الحرب على دول «محور الشر» التي وظفت بذكاء لتصنع أعداء لأميركا في مرحلة معينة تساعد على تبرير تصرفات السياسيين الأميركيين ثم تحولت دول محور الشر ذاتها إلى حلفاء أوفياء لتحقيق مآرب أخرى خاصة في بلاد الهلال الخصيب.
بسبب القوة الإعلامية والعسكرية أصبح الغرب في الكثير من القضايا هو المرسل والمستـقبل، القاضي والجلاد، الأنا والآخر، المنـفذ (روسيا) والمتـفرج (أميركا)!! ويتباهى بالقدرة على خلق عالم مشبع بالحقوق والحريات بدون خجل رغم الدماء المسفوكة التي تـفضح إنسانيته البلهاء! ليس عند الغرب حرية إعلامية بالمطلق ولكن عنده مكائن إعلامية هائلة توجه العقل الجمعي نحو رؤى معينة ومواقف محددة تحشد حولها طاقات خيالية حتى تصبح أقرب إلى المسلمات ومنها يٌـبنى ويوجه الرأي العام ثم ينـشأ الخط الفاصل بين العصاة الذين يجب أن يُـقـتلوا، والحلفاء الذين يجب أن يُساندوا، والقـتلة الذين يجب أن يصمت العالم عن جرائمهم وتسكت المنظمات الدولية عن صراخها نحوهم، ويتكبل مجلس الأمن وبنده السابع فلا تسمع لهم همسا!
فاصلة:
ذات مرة، قال الكاتب البريطاني (جورج أورويل): «الآراء التي ليس لها شعبـية والحقائق التي لا يروق للبعض سماعها يتم إسكاتها.. وحين توجد مجموعة من الآراء التي يُفترض أن أصحاب العقول السليمة سيقبلونها بلا نـقاش، فإن من يحاول أن يتحدى هذه الآراء المقبولة سيجد نفسه في دوامة تدعو للدهشة».
بقلم :د. صنهات بن بدر العتيـبي
copy short url   نسخ
06/12/2016
4965