+ A
A -
تحدثت روسيا عن «فدرلة» سوريا ثم تراجعت! وتحدثت أميركا عن صعوبة عودة سوريا «موحدة» ثم تراجعت! واليوم تطلق أغلب الدول ذات العلاقة بالأزمة السورية سواء من جيران سوريا أو من غيرها تصريحات متناقضة حول مصير الأسد ومصير البلد وشكل الحل النهائي للأزمةالسورية المتفاقمة! لماذا يحدث مثل هذا التناقض ولماذا تتوالى مثل هذه المواقف الغامضة؟ هل هي إشارات لمسارالأزمة السورية الشائك أم هي علامات كافية على عدم وجود استراتيجية من الأساس لدى كل الأطراف ذات العلاقة بالأزمة السورية؟ كلا السؤالين مران كالعلقم.

صرح نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريباكوف بأن روسيا «لا تمانع» (بلغة السياسيين يعني تريد أو تخطط ) تحول سوريا إلى جمهورية فيدرالية وهذا ما أصطلح عليه لاحقا بـ«فدرلة سوريا».. وهذا بلغة الواقع ليس سوى مدخل كلامي أنيق لتقسيم سوريا شاء من شاء وأبى من أبى!

بطريقة مشابهة تحدثت أميركا قبل ذلك عن تقسيم سوريا، وأشار جون كيري وزير الخارجية الأميركي إلى «صعوبة أن تكون سوريا موحدة»! وكأنه يتحدث عن قطعة لحم رميت في قفص ذئاب جائعة! أم يا ترى هذه هي الحقيقة المرة للوضع السوري المتأزم! ثم بعد هذا التصريح السلبي عن التقسيم وتغيير جديد لخريطة (سايكس- بيكو)، انتشرت في الآفاق تقارير استراتيجية ومقالات سياسية تتحدث عن اتفاقية (كيري- لافروف) جديدة لتقسيم المقسم وتفتيت المفتت في المنطقة العربية ومازال العرب ينامون ملء جفونهم عن تفاصيلها ويسهر (الغرب والشرق) جراها ويقتسم!

الملاحظة الغريبة أن أميركا مثلها مثل روسيا تطلق تصريحات متناقضة ويخالف كلامها في الغرف المغلقة أفعالها على الأرض وفي السماء! على سبيل المثال، تحدث كيري سابقا عن تقسيم سوريا ثم بلع تصريحه وانتقل إلى تصريح آخر بخصوص قبول بقاء الأسد ثم بلعه كذلك وتحدث كثيرا عن الخطة البديلة أو «خطة ب» في حال فشل هدنة وقف إطلاق النار في سوريا ثم تغيرت اللهجة! نعم، الإشارة إلى وجود خطة بديلة أو «خطة ب» في حال لم يفعل نظام الأسد وروسيا عملية التفاوض على الانتقال السياسي كان واضحا جدا في حديث كيري في جلسة نقاش في الكونغرس وحدد كذلك (من زود الدقة)! مدة شهر أو اثنين لتقييم الجدية في هذا الخصوص (طبعا إعطاء مهلة بلغة السياسيين الأميركيين تعني «خلصوا مهمتكم قبل أن تتعقد الأمور)»! على كل، لقد سارع الأميركان لنفي وجود خطة بديلة بل لقد تم نفي «الخطة ب» من قبل لافروف وزير الخارجية الروسي (من زود الثقة)!!

المهم في التصريحات الأميركية ليس «خطة ب» أو «خطة نُون» لكن لغة الغموض والتردد ما يوحي بوجود أجندة جاهزة! الأميركان -والروس مثلهم- يتحدثون بتناقض وغموض وهذا بقدر ما يوحي بعدم وجود استراتيجية لدى أي منهما فإنه يؤكد وجود استراتيجية مشتركة واتفاق تام على مآل الأزمة السورية! بالنسبة للأميركان فإنه من غير المستغرب وجود استراتيجية عمل واضحة تجاه الأزمة السورية فقد تعودت السياسة الأميركية على إدارة الأزمة واحتواءها لتحقيق الرؤية الاميركية في المنطقة والمصلحة الإسرائيلية في نهاية المطاف أكثر من تعودها إيجاد حلولا حاسمة أو وعودا قاطعة بمعالجتها مادام أن الوضع يسير تحت مظلة الاستراتيجية الأميركية الكبيرة في المنطقة! الأميركان يا سادة لن يشغلوا أنفسهم بمعالجة جزئية صغيرة إذا لم تظهر تحديات أو تطورات تهدد بـ«شخبطة» اللوحة الكبيرة (وإياك أعني يا تركيا ودوّل مجلس التعاون الخليجي)!!

والسؤال المحرج يقول كيف تتحدى أميركا روسيا في سوريا وتنتظر فشلها وهي تنظف لها المنطقة وتهيئ لها الجو لتحقيق نصر حاسم وسحق المعارضة السورية سحقا تاما! وليس أدل على ذلك من منع تسليح الثوار السوريين بمضادات للطائرات أو أسلحة نوعية، بل إن بعض الجماعات السورية المتحالفة مع أميركا تلقت قصفا روسيا مؤلمًا وهجوما كرديا سريعا على الأراضي التي تسيطر عليها، ولا أحد يقول كيف يحدث هذا!

هذا التناقض والتضارب في التصريحات والغموض في المواقف تسميه بعض مراكز الدراسات الاستراتيجيةالأميركية «الغموض الخلاق»! وهو بقدر ما يشير ظاهريا إلى عدم وجود استراتيجية لأي من الطرفين الكبيرين (روسيا وأميركا) أو اتفاق بينهما، فإنه يدل على وجود استراتيجية مشتركة لكنها مخفية تشابه إلى حد كبير استراتيجية المستعمر البريطاني والفرنسي قبيل وبعيد التوقيع على اتفاقية سايكس- بيكو المشؤومة!

بقلم د. صنهات بن بدر العتيـبي

copy short url   نسخ
08/03/2016
1837