+ A
A -
كاتب الرواية، بعد أن يقترب من نهاية جهده الطويل؛ جهد التفكير، جهد الكتابة، جهد صناعة ذلك العالم الذي سيخرجه إلى العلن، من هذا المختبر الكتابي الطويل، وعليه أن يكون في النهاية، محكما، ومنطقيا في حدود مقبولة، ومتماسكا في شكله النهائي، هذا الكاتب القلق، وقت ما يضع سطره النهائي، كلمته الأخيرة، ويغلق هذا الصندوق من العجائب، يعلم أنه سيغلقه من جهته فقط، لكنه سينفتح من جهته الأخرى على ملايين العيون التي لا ترحم؛ الراصدة؛ والمتحفزة؛ والمتحيزة أحيانا.. ولكنها، أيضا، لن تبخل بإعجابها فيما لو وجدت هذا العالم الروائي أمرا يستحق القراءة والخلود.. من هنا تكمن أهمية السطر الأخير، الجملة الختامية، جملة الوداع، التي بعدها يفك الكاتب أسر هذا العالم في فضاء لن يعود منه. لذا أجد من المثير قراءة الجملة الأخيرة في الأعمال الروائية العظيمة، أو لنقل تلك التي توقفت عندها بشكل استثنائي، نظرا لكونها جملة ختامية مميزة ومؤهلة لتكون التراب الأخير على أرض الرواية التي قطعتها للتو..
اختتمت الرواية توني موريسون، روايتها الجميلة «غرام» بهذا الطريقة:
(إما أنها لا تعرفني، أو غفرت لي حلولي، فلم يكن يعنيها أن أجلس على بُعد قريب منها، وأنصت. لكن حين يفعم صوتها الشوق إليه، لا أستطيع معونتها. فأنا أريد شيئا يعود، شيئا يخصني. به أنضم وأُهمهم).
الروائي الفرنسي أناتول فرانس، اختتم روايته الآلهة عطشى بهذه الطريقة:
(ومضتْ آخر جذوة في المدفأة. وتترك إيلودي رأسها يهبط مرة أخرى على الوسادة، وهي سعيدة ومتعبة).
آخر سطور رواية ماركيز«الجنرال في متاهته» التي تسجل، كما يُعتقد، اللحظات الأخيرة لمحرر أميركا اللاتينية «سيمون بوليفار»:
(تفحص الغرفة ببصيرة أيامه الماضية، ولأول مرة تأمل الحقيقة: السرير الأخير المستعار، طاولة الزينة البائسة التي لن تعكس مرآتها الصابرة صورته أبدا، طشت البورسلين المشرم مع الماء، المنشفة والصابونة من أجل أيادٍ أخرى، والسرعة التي لا ترحم للساعة الثمانية الأضلاع التي تسير نحو الموعد المحتوم في 17 كانون الأول، في الواحدة وسبع دقائق من بعد ظهر يومه الأخير. عندها كتف يديه على صدره، وأخذ يصغي لأصوات العبيد المشعة ينشدون أغنية الساعة السادسة في مطاحن السكر، رأى من النافذة ماسة فينوس عالية في السماء تمضي إلى الأبد، الثلوج الأزلية، شجيرات اللبلاب التي لن يرى أزهارها الصفراء وهي تتفتح نهار السبت التالي في المنزل الغارق في الحداد، آخر خلجات الحياة التي لن تعود أبدا مهما توالت القرون).
الفردوس على الناصية الأخرى، الرواية الشهيرة للروائي البيروفي ماريو بارغاس يوسا، اختتمت بهذه الجملة البديعة:
(والشيء الوحيد الجدير بالذكر، أنه مات مؤخرا، في هذه الجزيرة، موتا مفاجئا، شخص يدعى بول غوغان، وهو فنان معروف، ولكنه عدو للرب، ولكل ما هو محتشم على هذه الأرض).
رواية نساء أمام طبيعة نهرية، للأديب الألماني هاينريش بول، كانت هذه جملتها الأخيرة:
(كان هناك رصاص كثير، وفي النهاية يجب أن يكون رصاص. هذا يطابق وجودي الرصاصي).
نهاية الخطة اللانهائية، للروائية إيزابيل الليندي:
(ما تبقى تعرفينه، لأننا عشناه معا. في الليلة التي تعارفنا فيها طلبتِ مني أن أحكي لك حياتي. حذرتك، إنها طويلة. قلتِ: لا هم، لدي متسع كبير من الوقت. دون أن تدركي الورطة التي تدخلينها بهذه الخطة اللانهائية).
هذه مجرد أمثلة، وبالطبع هناك العشرات من مثل هذه النهايات اللامعة، إذ أنه وعلى حد ما أتذكر، كل رواية عظيمة استمتعت بقراءتها، قلما وجدت من بينها رواية لم أكن راضيا ومتأثرا ومنسجما مع جملتها النهائية، تلك الجملة التي تسبق الإشارة الحزينة: انتهت.
بقلم : ضيف فهد
copy short url   نسخ
04/12/2016
3417