+ A
A -

اليوم الثالث من ديسمبر، قد يكون يوما كباقي الأيام لكنه يصادف اليوم العالمي لذوي الاحتياجات الخاصة وهو يوم عالمي خصص من قبل الأمم المتحدة منذ عام 1992 لدعم ذوي الاحتياجات الخاصة، حيث يهدف إلى زيادة الفهم لقضايا الإعاقة ودعم التصاميم الصديقة للجميع من أجل ضمان حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة، ويدعو لزيادة الوعي في إدخال أشخاص لديهم إعاقات في الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، ولا يختلف اثنان على أن المعاقين جزء لا يتجزأ من المجتمع ومراعاة ظروفهم واجب وطني وإنساني كما ان احترام القوانين الخاصة بهم دليل على رقي المجتمع وتحضره، وتجتهد الدول للاحتفال بهذا اليوم معتبرة إياه يوما لدمج المعاق في المجتمع من خلال الفعاليات المقامة لهم وتعزيز الفهم المجتمعي لقضية وحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وجني المكاسب الناجمة عن إدماجهم في مجتمعاتهم في مختلف جوانب الحياة، ويوفر اليوم العالمي للأشخاص ذوي الإعاقة فرصة لدفع الجهود من أجل تحقيق الهدف المتمثل في تمتعهم الكامل والمتكافئ بحقوق الإنسان والمشاركة المجتمعية، هذا وتشير الدراسات التي أجريت مؤخراً إلى أن واحداً - تقريباً- من كل عشرة أشخاص على مستوى العالم هو شخص ذو إعاقة، وأن الأشخاص ذوي الإعاقة يشكلون نسبة تصل إلى عشرين بالمائة من السكان الذين يعيشون في الفقر في البلدان النامية والكثير من الأشخاص ذوي الإعاقة ما زالوا يواجهون عقبات تحول دون مشاركتهم في مجتمعاتهم وغالباً ما يُجبرون على العيش على هامش المجتمع وهم غالباً ما يواجهون وصمة العار والتمييز ومحرومون بشكل روتيني من حقوقهم الأساسية كالغذاء والتعليم والعمل والحصول على الخدمات الصحية وكثير منهم يُجبرون على البقاء في المؤسسات الإيوائية الخاصة بهم، وهو ما يعتبر انتهاكاً مباشراً للحق في حرية التنقل والعيش في مجتمعاتهم.
يقول كارل ماركس الفيلسوف الألماني الشهير: إن أردت أن تعرف مقدار تطور مجتمع من المجتمعات فانظر إلى مكانة المرأة فيه، ومن بعد إذن فيلسوفنا الكبير نضيف على عبارته الخالدة هذه، وانظر إلى أوضاع الأشخاص من ذوي الإعاقة فيه، فبمقدار ما تكون هذه الشريحة محترمة ولها مكانتها الصحيحة في المجتمع يكون هذا المجتمع حضارياً ومتقدماً ومدركاً لأهمية أن يكون لجميع أبنائه ذات الحقوق المتساوية، وذات القدرة على العيش بكرامة في ظل قانون يحمي الجميع دون تمييز، وبغض النظرعن مختلف الاعتبارات التي قد يسوقها البعض فالإنسان سواء أكان معاقاً أم غير معاق له الحق في الحياة والتعليم والعمل، وهذه الحقوق لا بد أن تكفلها الدولة وألا تسمح لأحد بالمساس بها فالأشخاص من ذوي الإعاقة قادرون على الانخراط في مجتمعهم وإثبات ذواتهم كجزء أصيل منه فمن خلال دعمه ومساندته يستطيع أن يقدم لمجتمعه الكثير من التقدم والازدهار، ولا يحتاج ذلك إلا إلى الإيمان من قبل الأشخاص غير المعاقين بما يمكن لهذه الفئة أن تقدمه في حال توفرت لها الظروف الملائمة ولعل أبرز هذه الظروف يتعلق بعملية الدمج والايمان بقدراتهم التي حباهم الله عز وجل بها بغض النظر عن مستوى الاعاقة، ولعل دمج الأشخاص من ذوي الإعاقة في مجتمعهم ليس بالعملية البسيطة كما يتخيل البعض بل هي عملية تحتاج إلى الكثير من الدراسة والتجارب الميدانية على أرض الواقع كي لا يتم الوقوع في مطبات لا تحمد عقباها فدمج المعاقين لا بد أن تسبقه العديد من الدراسات والأبحاث والاستبيانات القائمة على الدقة والموضوعية والشفافية بهدف تهيئة البيئة الاجتماعية بشكل عام كي يكون الدمج فعالاً ومثمراً كما يراد له.
بكل الاحوال علينا ان نتذكر ان المعاق شخص يعاني قصورا جسديا أو عقليا نتيجة عوامل وراثية أو عيوب خلقية أو بيئية مكتسبة وتترتب على ذلك آثار اجتماعية أو نفسية حيث تحول تلك الإعاقة بينه وبين تعلم وأداء بعض الأعمال والأنشطة الفكرية أو الجسدية التي يؤديها الفرد الطبيعي «الصحيح» بدرجة كافية من المهارة والنجاح، ولكن لا يمكن ان نتجاهل انه متى ما توافرت البيئة الداعمة للمعاق لدمجه في المجتمع وتوفير الاساليب التي يتعلم من خلالها مهارات حياتية تساعد ان يكون شخصا فاعلا فانه قد يصبح في الكثير من الاحيان اكثر عطاء من الكثيرين ممن يتمتعون بالصحة والعافية ولعل النماذج حولنا كثيرة في المجتمع بل والعالم اجمع، هذا وتؤكد دولة قطر على تعزيز وحماية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وفقاً للنهج القائم على الحقوق ويعتبر من ضمن أولويات الدولة وسياستها الاصلاحية والتي يمثل فيها موضوع تعزيز وحماية حقوق الإنسان خياراً استراتيجياً، حيث تم التأكيد على ذلك في رؤية قطر الوطنية 2030، ولا ننكر انه يقع على عاتق الجهات المختصة ومراكز ذوي الاحتياجات الخاصة بمختلف اشكالها الكثير من العمل وليس فقط تقديم التوصيات والدراسات والبرامج التوعوية والتثقيفية بل والخدمات اللازمة لرعايتهم وتنفيذ برامج التدريب الموجهة للعاملين معهم وتطبيق ما يتم دراسته نظريا بالتعاون مع المؤسسات الحكومية وغير الحكومية ذات العلاقة وبالتالي تطبيق كل ذلك على ارض الواقع، واذا كانت الصحة تاجا على رؤوس الاصحاء لا يراها الا المرضى فان الارادة التي يتمتع بها المعاق والاصرارعلى ان يكون فردا منتجا بالمجتمع هو نيشان علينا جميعا ان نعي انه اثمن من ان يُقدر ودمتم بود.
بقلم : ابتسام الحبيل
copy short url   نسخ
03/12/2016
5712