+ A
A -
عندما يتبلور الوطن في ذهن الفرد على أنه شيء يمكن امتلاكه يتحول إلى مرض يصيب ذلك الفرد، عندما يصبح الوطن خارج المعنى يصبح داء قاتلا، عندما يعتقد الفرد أو الجماعة أيا كان شكلها انها بحجم الوطن كله يصبح الداءُ متمكنا، عندما يصبح الوطن مناسبة فقط يصبح الوطن مرضا موسميا كأنفلونزا الشتاء، عندما يصبح الوطن مسرحا لاظهار ما يتنافى ومفهومه لابد من علاج الاسباب أولا قبل الأعراض الظاهرة، عندما لا يكون الوطن مصدرا للأمان والاطمئنان وبديلا عن غيره من الولاءات يبقى مرضا مزمنا لأن الشفاء بالانتقال إليه يبدو عسيرا. الانتقال إلى الوطن علاج والذوبان فيه شفاء، والاصابة بدائه تعني مرحلة ما قبل الانتقال إليه وان كان العيش فيه، عندما يكون الحبل السري موصولا بغيره يصبح الجنين في أحشائه حيا ولكنه مريض بدائه أي «الوطن» كالمرض البيئي ذاته لا يشفى صاحبه الا بالخروج عن البيئه ذاتها أو بالتصالح معها والتأقلم بشروطها، العيش في الوطن يتطلب علاجا وتطعيمات مانعة. كل الحروب الاهلية الطاحنة سببها الاصابة بداء الوطن، انظروا حولكم تجدون الادلة واضحة على ذلك، كل الانقلابات والثورات سببها المرض بداء الوطن. لماذا انتهت هذه وتلك في العالم المتحضر لانهم انتقلوا من مرحلة الاصابة بداء الوطن إلى العيش في الوطن، المرض بالوطن ليس هو العيش فيه أو من أجله لا، انه العيش لامتلاكه كما يمتلك الطفل لعبته لا يريد عنها تنازلا مهما كانت المبررات عقلانية، كأن تكون مسمومة مثلا أو حارقة.. عيشوا في الوطن ومن أجله ايها السادة واعلموا ان اشد االداء هو ذلك الذي يكون الوطن سببه لأن علاجه الوحيد هو الرغبة والارادة الواعية للافراد ذاتهم اصحاب الشأن، ان الانتقال إلى الوطن ليس هو التواجد جسدا فيه فقط وانما معايشته وعيا وإدراكا، انه قضية ايمانية ايها الاخوة، آمنوا بالوطن سيكفيكم عما سواه، على الدولة كذلك ان تؤمن بالوطن لا بدائه أو مرضه، عليها ان تكون الطبيب المداوي لاسبابه وليس للتخفيف من اعراضه فقط، عليها ان تكون بحجم الوطن لا بحجم دائه أو امراضه. الوطن العربى عموما يعيش مرض أوداء الوطن، أول دلائل الشفاء منه يتمثل في سهولة الانتقال السياسي عبر الاجيال «وهي مرحلة الانتقال من الكهوف والخنادق الصغرى إلى رحابة فضاء الوطن الفسيح» بشكل لا يؤثر على أمن الوطن ولا على ثروته ولا على مجاله الحيوي وفي مقدمته المواطن نفسه. القضية ليست سهلة ان تعيش في وطنك دون ان تصاب بدائه وسط كل هذا التاريخ المثخن الذي لم يعرف الوطن إلا مرضا يفتك به أبناؤه وأي مفارقة اكبر من ذلك ان يفتك المريض بمرضه، لكنه لا يستطيع مع ذلك ان يعيش دونه.
بقلم : عبدالعزيز الخاطر
copy short url   نسخ
01/12/2016
1346