+ A
A -
النيران التي أحرقت الأراضي المحيطة بمدينة حيفا أحرقت معها «آخر ورقة توت» كانت ربما تستر الضمير العالمي. في أيام قليلة، تعرت الإنسانية من آخر ملابسها وهي تولول وتصرخ من هول الحرائق في الأراضي المحتلة وتصمت صمت القبور عن الحرائق المتعمدة في سوريا! بعد حريق حيفا، سارع «العالم» شرقه وغربه ومعه بعض العرب المهرولة لإبداء تعاطفه وعرض المساعدة والبحث عن سبب لاتهام الفلسطينيين! النـفاق العالمي ظهر بشعاً عندما هرولت الدول كبـيرها وصغيرها لنجدة إسرائيل وإطفاء حرائـقها في حين تـغافلت عن إطفاء حرائق سوريا المستعرة منذ عدة سنوات!
هبت موجة من الرياح الجافة فـنـشبت حرائق في غابات وسط وشمال الأراضي المحتلة ووصلت إلى أطراف مدينة حيفا وبعض المستوطنات وتمكنـت فرق الدفاع المدني الإسرائيلية والفرق الدولية التي هبت لمساعدتها من إطفاء الحرائق التي تمخضت عن خسائر مادية جسيمة وإصابات واخـتـناقات بدون الإعلان عن وفيات! على بعد كيلومترات قليلة وفي الأراضي السورية هبت موجة من الرياح الطائفية فـنـشبت حرائق متعمدة مع سبق الإجرام والترصد في عموم الأراضي السورية وفي حلب بالذات أحرقت الإنسان السوري والأرض السورية بمبانيها ومدارسها ومستـشفياتها وليس الأحراش فقط.. كل ذلك يحدث أمام أنظار المجتمع الدولي الذي يشيح بوجهه عن هذه المأساة الإنسانية بل تدخل لمساعدة النظام بالصمت والتجاهل والمساعدة بالقصف وإشعال المزيد من الحرائق!
الحريق الذي شب في الغابة السورية أنـتج أرقاماً مخيفة كالتالي: مقـتل نصف مليون «إنسان»! أكثر من مليون إصابات وأكثر من مليون في المعتقلات الأسدية إضافة إلى أكثر من ستة ملايين مهجر داخل سوريا وخارجها! أرقام مرعبة من المحرقة السورية، لكنها لم تحرك ساكناً عند الدول التي هبت لمساعدة إسرائيل المسكينة!! يضاف إلى ذلك أن الروس وحلفاءهم أحرقوا ودمروا مقدرات الشعب السوري بما في ذلك المستـشفيات ومراكز الطوارئ والإسعاف ومستودعات الإغاثة ومراكز العون الطبي المدعومة من الأمم المتحدة! إنها فلسفة إحراق الأخضر واليابس بحذافيرها ولم يشعر المجتمع الدولي بوخز الضمير إلى الآن! متى إذن؟
المضحك المبكي في أحداث حرائق إسرائيل أن روسيا عرضت مساعدتها لإطفاء الحرائق في الأحراش وهي تحرق كل شيء حي وكل شيء يتحرك في سوريا وفي حلب بالذات! يا لسخرية التـناقض، روسيا اللطيفة ترسل طائرات الدفاع المدني التابعة لها لإطفاء حرائق في غابات وأحراش حيفا! وروسيا الهمجية ترسل طائراتها المقاتلة لتـشعل الحرائق في سوريا ولتحرق «الإنسان السوري» بحجة محاربة الإرهابيين والحقيقة أنها رغبة لدى المجتمع الدولي لفرض قرار بقاء نظام الأسد ليتمكن من سلب حرية من يتبقى من الشعب السوري الصامد على أرضه! المجتمع الدولي لن يهتم بحرائق سوريا، لكنه سيفرح لأن حرائق إسرائيل انـتهت!
في جانب المساعدة المادية ترددت أنباء عن مشاركة دول عديدة هرولت لإطفاء الحرائق بعد طلب المساعدة من الحكومة الإسرائيلية لكن الأبرز كان ظهور أسماء دول مثل مصر والأردن وتركيا بعضها أعلنـت بنـفسها عن تـقديم المساعدة وبعضها تلقـت شكرا من حكومة نتـنياهو! تـقديم هذه الدول المساعدة في شأن إنساني بحت لا ضير فيه لكن السؤال المحرج يتدحرج من عل: كيف يتأتى لهذه الدول مساعدة عدو مسرطن بدون أن تكون لها القدرة على الحد من عدوانه المتواصل على الأرض الفلسطينية وإيقاف استهتاره اليومي بحقوق الشعب الفلسطيني على الحواجز وفي المعتـقلات!
استـغلت حكومة إسرائيل أزمة الحرائق كعادتها لتسجـيل نـقاط ضد الفلسطينيين وبدأت بتسريب الأخبار الكيدية عن كون هذه الحرائق متعمدة وبدأت كالعادة باعتـقال الفلسطينيين وطرحت مقـترحاً بحرق بـيوت المتهمين! ما الجديد كل الفلسطينيين عند إسرائيل هم «عائلة الدوابشة»! رغم كل هذا سارعت السلطة الفلسطينية بعرض تـقديم المساعدة وإرسال فرق من الدفاع المدني لمقاومة الرياح وإطفاء الحرائق، قد تكون خطوة تافهة لكنها حتما تـتجاهل الشعب الفلسطيني وعقله الباطن!
من ناحية أخرى، خصص الإعلام خاصة الإعلام الغربي صفحات ومقالات وصور لتصيد «شماتة» المواطنين العرب البسطاء ونـشرها على نطاق واسع! ولم تكن بعض وسائل الإعلام العربية بريئة كذلك من تصيد ردود أفعال عشوائية وتوظيفها لشيطنة «العربي» فهذه الوسائل مسيسة وتـقف دوما ضد المشاعر العربية البسيطة! السخرية من بعض العبارات التي جاءت على ألسنة الناس أو على صفحات التواصل الاجتماعي انـتـقلت إلى اتهام العرب عامة بـ«عدم الإنسانية»! مع أن «الإنسانية» تـذبح من الوريد إلى الوريد في حريق سوريا، لكن لا أحد يهتم أو ينـتـقد، فالعرب في التصنيف الدولي الحديث ليسوا من بني البشر!
بقلم: د. صنهات بن بدر العتيـبي
copy short url   نسخ
29/11/2016
4034